الاحتمالات.. والمصائر

TT

عادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المسرح العالمي من جديد بعد إتمام صفقة تبادل الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل ألف وسبعة وعشرين أسيرا فلسطينيا من شتى الفصائل الفلسطينية ومن أرجاء فلسطين المختلفة ومن عرب 1948 ومن نساء وأطفال ومن محكوم عليهم ومن معتقلين إداريين ويقال إنه سيكون من بين المفرج عنهم أحمد سعادات ومروان البرغوثي.

ولا بد أن تتوقف طويلا عند موافقة المتغطرس نتنياهو على إتمام هذه الصفقة على هذا النحو والذي لا شك فيه عندي أن الإسرائيليين يحسبون حساباتهم بدقة ولا يتخذون إجراء خطيرا مثل هذا الإجراء دون أن تكون وراءه مخططات وحسابات داخلية وخارجية.

وإذا حاولنا أن نربط بين هذه الصفقة وبين كون القضية الفلسطينية تقف الآن على أعتاب مجلس الأمن ليقرر قبول أو عدم قبول فلسطين دولة كاملة العضوية في منظمة الأمم المتحدة تلك المنظمة التي أصدرت عام 1947 قرارا بتقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين هما إسرائيل وفلسطين وقبلت إسرائيل القرار. وأعلن قيام الدولة في الخامس عشر من مايو 1948 وفى نفس عام إعلان الدولة اعترفت بها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي (آنذاك) ورفض الفلسطينيون القرار.. وكان موقفا يدل على عدم الإدراك السياسي ولكن كان يتمشى مع سياسة فقدان الفرص التي اعتاد عليها العرب.

المهم نعود إلى صفقة تبادل الأسرى هل تقصد إسرائيل من ورائها أن تقول للمجتمع الدولي إنها ليست تلك الدولة المتغطرسة كما يصورها العرب وإنها تفرج عن أسرى منهم من ارتكب جرائم إرهابية - من وجهة نظرها - في حق إسرائيل ومنهم من حكم عليه بأحكام بالمؤبد عدة مرات.

لست أستطيع أن أجزم بما تريده إسرائيل من قبول لهذه الصفقة ولكن تقديري أن الصفقة - من وجهة النظر العربية فيما أرى - تعتبر انتصارا كبيرا لمنظمة حماس كما أنها من ناحية أخرى تعطي صورة لهذه المنظمة على أنها تعرف كيف تتفاوض وكيف تقاوم وهذا هو صلب موضوع مقالنا اليوم: المفاوضة.. والمقاومة.

وعلى مدى أكثر من عشرين عاما والمفاوضات تبدأ ثم تنتهي لتبدأ من جديد ثم تتوقف وفى كل مرة تقضم إسرائيل قضمة من أرض فلسطين التي أصبحت عبارة عن 23% من أرض فلسطين التاريخية بعد أن كان قرار التقسيم عام 1947 يعطيها نصف الأرض.

وحتى هذه القطعة الباقية جرى تقسيمها وجرى طمس الطرق وتقطيعها بين مدنها وقراها حتى لا تكاد تجد جزءا من أرض فلسطين يسهل عليه الاتصال بالجزء الآخر.

المهم أن المفاوضات أصبحت كما لو كانت هي الوسيلة والغاية في نفس الوقت، وأخيرا دفعت هذه الأوضاع منظمة التحرير الفلسطينية أن تطلب العضوية الكاملة في المنظمة الدولية. وبدأت أولى الخطوات في مجلس الأمن. ووافقت على الطلب ثماني دول، وهناك تاسعة مترددة وست دول ترفض بوضوح ومن بين الستة أغلبية الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا - التي خلقت المشكلة من الأساس وفرت - ولا شبهة أن الولايات المتحدة ستعترض على أي قرار يصدره المجلس لصالح فلسطين. وبما أن الولايات المتحدة من الدول دائمة العضوية التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) فإن عدم اعترافها سيئد القرار ويدفنه. وهكذا فإن العضوية عن طريق مجلس الأمن هي نوع من الوهم وبعد أن يغلق المجلس هذا الملف فماذا يمكن أن يحدث؟

كل الاحتمالات مفتوحة.

وكان هناك طريق آخر يمكن اللجوء إليه - فيما أتصور - هو مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن تصدر قرارا بتنفيذ قرارها الصادر عام 1947 بتقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين. وكان من الممكن استصدار فتوى من محكمة العدل الدولية بجواز اللجوء إلى هذا الطريق. وسبق لمحكمة العدل الدولية أن قضت بإجماع أعضائها باستثناء قاض واحد هو القاضي الأميركي بعدم شرعية الجدار العازل.

ومع ذلك صممت إسرائيل على أن تمارس بغيها وعدوانها ضاربة عرض الحائط بقرار المحكمة الدولية كما ضربت عرض الحائط بقرارات دولية كثيرة.

والآن ما هي الاحتمالات؟

يعود الطرفان إلى المفاوضات وهذا ما تريده إسرائيل وتقر به أميركا بطبيعة الحال وهذا يعني أننا ندور في دائرة مفرغة لا تنتهي. وبعد هذه الأعوام الطوال إذا بفلسطين تعيش على 23% من أرضها. وإذا بالمستوطنات اليهودية تنتشر في كل مكان وإذا المساجد تنتهك حرماتها وإذا المقابر تهدم لكي يبنى مكانها مساكن لليهود. وتدور المفاوضات وتتوقف ثم تستأنف والمشهد لا يتغير.. مزيد من المستوطنات. مزيد من تهجير الفلسطينيين. مزيد من تهويد القدس الشرقية حتى لتوشك معالمها الأصلية أن تختفي. مزيد من الحفريات تحت المسجد الأقصى لكي ينهار ثم يعاد بناء هيكل سليمان على أنقاضه وهكذا وهكذا.

وأوباما يقول إن العلاقة بين أميركا وإسرائيل علاقة أبدية غير قابلة للانفصام. ونتنياهو من على منبر الكونغرس يتوجه إليه قائلا مبارك يا سيادة الرئيس. وأوباما يمني نفسه أنه بهذا الرضا السامي من نتنياهو ستربح أسهمه في الانتخابات القادمة ولا يدرك أنه خسر كل شيء. خسر ماضيه وحاضره ومستقبله. وخسر نفسه ومبادئه أيضا من أجل وهم هو رضا إسرائيل.

ونعود إلى المفاوضات من جديد ثم تتوقف المفاوضات ثم تبدأ.

هل هذا هو ما يريده المجتمع الدولي. هل هذا هو ما تريده الرباعية. وهل هذا هو ما توافق علية قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عندما تعلن أن وسيلتها هي بدء التفاوض.

ما أظن أن ذلك أصبح محتملا بعد الآن. وما أظن أن الشعب الفلسطيني يقبله. وما أظن أن الشعب العربي الذي وقد بدأ يستعيد نفسه يرضى به.

إذن ما البديل..؟

أولا لا بد من توحد كل الفصائل الفلسطينية لكي تصبح جسدا واحدا. إن المرحلة تقتضي ذلك ولا شيء غير ذلك. ولا بد أن يعلن الفلسطينيون أن كل أنواع المقاومة مشروعه وممكنة بدءا من المقاومة السلمية وانتهاء بالمقاومة المسلحة. والمقاومة هنا حق مشروع تقره كل المواثيق الدولية. إسرائيل سلطة احتلال لا شبهة في ذلك وحق الشعوب في أن تتخلص من الاحتلال هو حق مشروع. وللشعوب أن تسلك كل الطرق للوصول إلى هذه الغاية ومن ذلك اللجوء إلى المقاومة المسلحة عندما تسد الطرق الأخرى.

وعلى العرب أن يدركوا أن العنصرية الصهيونية إذا استطاعت أن تبتلع كامل أرض فلسطين فإنها لن تكتفي بذلك. إن الحلم - الوهم القديم - الذي يسعون إليه هو أرض الميعاد من النيل إلى الفرات. وقد ساعدتهم أميركا على تمزيق الوطن الواحد ويعملون جاهدين على بذر بذور الفتنة في مصر حتى يسهل تحقيق الحلم القديم.

على العرب أن يدركوا ذلك وأن يدركوا أن المخططات الصهيونية والرغبة في التوسع وجموح العنصرية لا يتوقف. أحلامهم تمتد إلى يثرب وأملهم أن يحكموا قبضتهم على اقتصاد المنطقة بعد أن تتحقق أوهام أرض الميعاد. ألا يجعلنا ذلك كله نفيق من غفلتنا وندرك مدى الخطر الصهيوني الذي لا يهدد فلسطين وحدها؟

ومن هنا فإن المساندة العربية للحق الفلسطيني ليست تطوعا ولا منة وإنما هي فرض عين لأنها دفاع عن النفس والعرض والمال.

الوحدة الفلسطينية. كل صور المقاومة. وقفة عربية واعية.

وتقديري أن مستقبل إسرائيل كله على المدى البعيد مهدد من الجذور.