المستقبل حاضرا.. الافتراض حقيقة

TT

يرتاب كثيرون في «علاقتي» بدبي. لماذا أكتب عنها أكثر من سواها؟ وقد حان وقت كشف هذا السر: لأن فيها من المواضيع أكثر من غيرها. لأن في هذه المدينة الحديثة العمران، أهم وأجمل مطار في العالم العربي، من المحيط إلى الخليج. جئت إليها هذه الزيارة من بيروت وعدت منها إلى بيروت. كمن يخرج من العالم الثالث إلى المستقبل الافتراضي ويعود منه.

هذه إسكندرية العصر يقول غسان طهبوب، الشاهد على انتقال الإمارات من مطارات مكافحة الجراد إلى هذا القصر الإمبراطوري الروماني، المعروف أيضا بمطار دبي. لا تحاول أن تقرأ جدول الرحلات. وإذا كنت مسافرا إلى مطار عربي تجنب المقارنة والبحث وتعب القلب وغن مع فيروز: يا قلبي لا تتعب قلبك.

لعلكم مللتم قولي إنني أعرف حديقة الأبراج هذه، منذ كان أعلى فنادقها من طابقين. ومذ كانت ميناء صغيرا على الخور ومراكب عتيقة من زمن الغوص والإبحار إلى الهند على ظهور العواصف وخلف اتجاه الريح. الآن يقول غسان طهبوب، هذه إسكندرية القرن الجديد. أو «إسكندرية كمان وكمان» كما في فيلم يوسف شاهين. جميع الأمم هنا وكلها تعيش في المستقبل. العالم الافتراضي صار هنا هو الحاضر.

هذه الزيارة لم ألتق الفريق ضاحي خلفان، العسكري الوحيد الذي أبحث عنه ويبحث عني في العالم العربي. الرجل الذي روى لي أنه عندما أسس الشرطة الحديثة لم يعثر إلا على 80 رجلا قادرين على كتابة محضر. وهو أيضا الرجل الذي كشف قاتل سوزان تميم بعد ساعات واعتقل عصابة روسية بعد يوم من هجومها على مجمع «الوافي» والجهاز العربي الوحيد الذي وزع صور عملاء الموساد الذين اغتالوا محمود المبحوح، خلال 24 ساعة. كيف فعل ذلك؟ ما أصغر السؤال أمام النتيجة.

لا تنمية من دون أمن. ولا مسايرة في القانون. فكرت مرة في التوسط لدى الشيخ محمد بن راشد في مسألة فادحة وواضحة الظلم، فحذرني أحد مساعديه من أن ذلك قد يؤخر القضية: لا تفاتحه في مسألة أمام القانون! يتوقف الباكستاني القادم من لاهور واللبناني القادم من أدغال بيروت، أمام الضوء الأحمر. ويكاد يتردد في الإقلاع على الضوء الأخضر. ويترك النيباليون والسيريلانكيون خلافاتهم خلفهم في بلدان المنشأ. أما هنا فيعملون. وهنا يتجانس الباكستاني والهندي وجماهير الشعب الفلبيني العظيم. وما بين القطارات المعلقة والطائرات الواصلة من البندقية ومالي وساو باولو وتورنتو وبالي، ينسى الناس من حيث أتوا ويتذكرون أنهم يدخلون إلى مصنع متعدد الفروع، حتى الكلام هنا صناعة جدية إلى أقصى الحدود، كما يؤكد مؤتمر المنتدى الإعلامي العربي كل ربيع. ربيع الإنتاج.