المستشار الهوائي

TT

تقول الكاتبة المتألقة (بدرية البشر) إنها شاهدت أحد المشايخ وهو يفتي في إحدى المحطات الفضائية، ويرد على زوج اشتكى من أن زوجته لا تغسل الصحون، فقال له (المستشار الهوائي) حسب تعبيرها - أي أن القاضي أجابه بكل بساطة دون أن يرف له رمش - قائلا: «طلقها، إن كنت تعزني طلقها».

لا أدري كيف واتت الأستاذة بدرية هذه القدرة الفذة على سماع تلك الفتاوى (الهمايونية)!.. إنها بلا شك أشجع وأصبر مني على ذلك بمراحل، لأنني ما إن تقع عيناي على مثل هؤلاء حتى أغلق الصوت نهائيا، وأجلس متأملا الشاشة أنظر كيف تكون خلقة الله سبحانه وتعالى في بعض عباده.

ومقالها ذاك جعلني أسترجع سريعا ما ذكره لي أحد أصدقائي عندما قال لي ضاحكا: «تصور أنني كدت أطلق زوجتي بالأمس». أجبته فزعا وقد أخذتني العزة بالإثم: «اتق الله يا رجل (فأم فلان) هي من أروع النساء من كل الجوانب، وعليك أن (تبوس إيدك بطن وقفا)». فاستمر بالضحك وهو يقول لي: «إنني في الليلة البارحة كنت أتفرج مع زوجتي وابني البالغ ثماني سنوات من عمره على مباراة لكرة القدم بين الهلال والنصر، وكان ابني يشجع الهلال بتعصب وحماس، وأخذت زوجتي (تماحكه) وتمازحه متظاهرة أنها تشجع النصر وتتمنى الهزيمة للهلال، ومن شدة ضيقه بها تفاجأنا به ينفجر باكيا ويصيح بي وهو يشير لها قائلا: (طلقها، أرجوك يا بابا طلقها)».

وأخذني الخيال بعيدا، وقلت بيني وبين نفسي: «ماذا لو أن هذا الطفل دخل كلية الشريعة بعد أن يكبر، وأصبح (مطوعا) ملو هدومه، وتسنم صهوة إحدى القنوات الفضائية، وأصبح يفتي كشيخ الأستاذة بدرية، فبماذا سوف يجيب سائليه من الرجال الذين لهم مشاكل مع زوجاتهم؟! ليس من المستبعد أن أكون أنا من أوائل سائليه، فقد يأتيني الفرج على يديه».

وبعيدا عن الطلاق، الله يبعدنا عنه، فقد قال لي صديق آخر في المجلس نفسه، وأنا على فكرة أستمد أكثر من (50 في المائة) من مواضيعي التي أكتبها، من بعض أصدقائي المتخلفين، ولا فخر (فالبيض الفاسد يدردب على بعضه).. قال لي: «إن الله ابتلاني بابن ذكي ومشاغب وكثير الكلام، وفي منتصف العام الدراسي أتتني شهادة وتقرير عن علاماته، وكان ولله الحمد ناجحا بتفوق. غير أنني تفاجأت بالمشرف على فصله يكتب جملة مذيلة بأسفل الشهادة جاء فيها: (إن ابنك ذكي ومجتهد، لكنه ثرثار).. فما كان مني إلا أن أصور التقرير وأبعثه للمشرف، وأذيله بالجملة التالية: (احمد ربك أنك لا تعرف أمه)».

فسألت صديقي: «هل معنى ذلك أن زوجتك ثرثارة إلى هذه الدرجة؟!»، فتنهد قائلا: «يا لطيف الطف».

فعاجلته قائلا له: «وماذا تنتظر؟.. طلقها يا أخي، طلقها»، قال: «أعوذ بالله منك، ومن هذه النصيحة السخيفة التي هي مثل وجهك»!

أجبته: «إنني ما زلت متأثرا وأسير على هدي (المستشار الهوائي)، الذي خلب لب الأستاذة بدرية».

[email protected]