سوريا ليست الجزائر

TT

كنت أتمنى أن تتم تسوية الأزمة السورية بطريقة سلمية عادلة، وبمبادرة خليجية تنهي الملفات القديمة بين الفريقين، حفظا للمصالح السورية، إلا أن اللجوء إلى الخيار الأمني كان خطأ استراتيجيا أحبط الآمال المطروحة، وكان تصميم الرئيس بشار الأسد على الخيار الأمني واضحا بخطابه الذي أعقب إلغاء حالة الطوارئ، حيث أنكر بقاء مبرر للمظاهرات! ويبدو أن الشعور بقوة المؤسسات العسكرية والأمنية دفعه إلى هذا الخيار، وربما أن هناك بضعة أشخاص استشعروا خطر الانتقال إلى الديمقراطية، وهؤلاء كان ممكنا تقديم ضمانات عربية لهم بهدف المحافظة على سوريا.

ولأن الأزمة السورية هي أهم الملفات العربية والإقليمية على الإطلاق، فإن المقارنات والدراسات والبحوث تأخذ حيزا كبيرا من المتابعات الشعبية، وقد تلقيت إشارة تحاول الربط بين نجاح الجيش الجزائري في السيطرة على الوضع لعشرين عاما، تراجع خلالها تأثير التيار الإسلامي المتشدد تراجعا كبيرا في الانتخابات الأخيرة، والعمل العسكري السوري. فهل سيتمكن الجيش السوري من استنساخ هذه التجربة؟ وتأتي الإجابة سريعا بالنفي، لقائمة طويلة من الأسباب سأتطرق إلى عدد محدود منها:

من حيث المبدأ، فإن الجيشين الجزائري والسوري يقتربان من بعضهما لجهة الموقف، فالجيش الجزائري هو الحاكم الفعلي للبلاد في الفترة ما بين الرئيسين بومدين وبوتفليقة، وهو السند الفعلي للنظام القائم، أما الجيش السوري فكان على الدوام السند الرئيسي لنظام الحكم، ولم تكن قيادته هي الحاكمة، بل إنه أداة قوية بيد القيادة السياسية الحاكمة، وعندما نتحدث عن الجيش الجزائري فإن الحديث يشمل وحدة المؤسسة من القائد الأعلى إلى الجندي القروي المكلف البسيط، أما الجيش السوري فيتأثر بالتقسيم أو الانقسام الوطني في ظروف التحرك الشعبي، ولم ينجح حزب البعث في تشكيل مظلة قوية (مستمرة) تفرض نفسها على التنوع الديني والمذهبي والعرقي رغم علمانية الحزب، لذلك فإن وحدة الجيش الجزائري كانت مضمونة بحكم وحدة الشعور بالانتماء، وتبقى الفوارق الطبقية معتادة في دول العالم الثالث، وهو ما يصعب تحققه في الجيش السوري طبقا للمعطيات الحالية.

لم تتعرض القوات الجزائرية لانشقاقات تذكر، كما هو الحال في القوات السورية، ففي كل يوم نسمع عن انشقاقات جديدة، ويعني هذا أن تماسك الجيش سيكون رهنا بتطور الأحداث مستقبلا، وقدرة المعارضين والنظام على التأثير، كل من جانبه، وحيث يتعدى الانشقاق «شهية الحكم» إلى ما هو أبعد وأخطر، فإن كفة المعارضة تستحوذ على الاحتمالات الأرجح.

في الحروب كنت أقوم بجولات استطلاعية، ونسبة منها ذات طابع فضولي وقروي، فطبيعتنا، نحن القرويين، تدفعنا على الدوام إلى حب الاستطلاع، وقبل بضعة أيام توقفت كثيرا عند شريط فيديو لمراسل «بي بي سي» الذي رافق المراقبين العسكريين في مدينة حمص، فبعد شهور من القتال يعترف مسؤول حكومي في قلب حمص بوجود أحياء مهمة من المدينة تحت سيطرة الجماعات المسلحة! فهل هؤلاء إرهابيون؟! فتسمية الإرهابيين يمكن أن تطلق وتنطبق على نفر أو عشرة أو مائة أو بضع مئات، وليس على قوات شعبية تسيطر على مساحات واسعة ومناطق سكنية كثيرة، وأظهر التسجيل أحياء من المدينة خالية من الناس، بعد أن كانت ساحة حرب بين قوتين، وهو ما كان على النظام التوقف عنده والمراجعة والبحث عن حلول، ولا ضير في طلب وساطة عربية، لأن العرب وحدهم الآن القادرون على التأثير، ومثل هذا الوضع لم يكن موجودا في الجزائر.

المعارضة السورية بجناحها العسكري تحظى بتأييد غربي وعربي، وإن كان متفاوتا ونسبيا، والثوار الذين أسقطوا القذافي متعاطفون أكثر من غيرهم لو أتيحت لهم فرص التحرك، وما يقال عن وصول متطوعين من جنسيات عربية وغربية للقتال يصعب نفيه وليس مستغربا، بينما كان التيار الإسلامي الجزائري المتشدد وحيدا، وواجه دعما غربيا وعربيا للجيش الجزائري، تحت مفهوم الحرب على الإرهاب.

المتشددون الجزائريون انزووا في الأرياف، بينما يتواجد مسلحو المعارضة السورية في قلب المدن والأرياف، مما يؤمن لهم فرص الدعم الشعبي ودعم رجال الأعمال، وهم كثر.

ثم إن الحركة الجزائرية كانت داخلية تماما، بينما أعطت على الساحة السورية (العلاقات الحكومية مع إيران) (والشعبية مع الدول العربية) حالة من التصادم القوي بين حالتين متضادتين، والفريق العربي من النمط الذي يصعب توقع تراجعه.

إذن، سوريا ليست الجزائر، فلا تخطئوا الحساب.