الاتحاد.. قوة!

TT

العاصمة السعودية الرياض مستعدة وجهزت نفسها لاستقبال قادة دول مجلس التعاون الخليجي في قمتهم الدورية. الأعلام تزين السواري في الشوارع الرئيسية، واللافتات الترحيبية الكبيرة معلقة على الكباري مليئة بالشعارات والعبارات ذات المغزى والهدف من القمة والمجلس واللقاء، ومن اللافت هذه المرة تكرار كلمة «الاتحاد» في اللوحات الترحيببة، وهي الكلمة الأكثر تداولا كما يبدو، والتي عبر فيها العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عن رغبته الشخصية الجادة في أن ينتقل المجلس من كيانه «التعاوني» الحالي إلى اتحاد بين أعضائه.

وهو مطلب عقلاني وتطور طبيعي في العلاقات السياسية بين دول متجاورة لديها الكثير جدا من عناصر التكامل والتوافق الثقافي والسياسي والاقتصادي والفكري، مما يجعل فكرة استحداث مفهوم سياسي جديد بينهم مسألة بديهية، ولكن يبقى التحدي الحقيقي في التفاصيل وفي «شكل» هذا الاتحاد المنشود.

فليس بخاف على أحد أن الاتحاد كفكرة جاء كنتيجة متوقعة للعلاقة الطويلة بين أعضاء مجلس التعاون ورغبة الشعوب في تحقيق المزيد من التكامل بينهم؛ لأن المنجزات لليوم لا تتناسب مع طموحات الناس ولا أهدافهم، وطبعا كذلك وجود تحديات ومخاطر أمنية وسياسية جادة نتاج تغيرات واضحة في المنطقة العربية وعلى المستوى الإقليمي في الخليج نفسه.

ولكل دولة من دول المجلس همومها وهواجسها وأهدافها وطموحاتها وأمانيها من فكرة «الاتحاد»، وبالتالي تظهر كلمة «السيادة» كالمهدد الأكبر على نجاح فكرة الاتحاد؛ لأن بعض الدول الأعضاء لديها القناعة الكاملة بأن الاتحاد هو عمليا يعني القضاء على كل أشكال مظاهر السيادة والدخول في شكل سياسي جديد قد يعيق الخطط والآمال الموضوعة.

وطبعا هناك الكثير من النماذج السياسية للاتحادات الموجودة عالميا للاختيار منها، فهناك ما هو واضح ومعروف، مثل الاتحاد الأوروبي بعملة نقدية واضحة وإزالة للحدود والجمارك وسيطرة متصاعدة للحكومة والبنك المركزي في الاتحاد الأوروبي ببلجيكا، ولكن مع ترك حرية في بعض المسائل لبعض الدول (بريطانيا مثلا رفضت الانضمام لعملة أوروبا الموحدة اليورو وآثرت الاحتفاظ بعملتها: الجنيه الإسترليني).

وهناك نموذج آخر للاتحاد وهو مبني على العنصر الاقتصادي بشكل أساسي، وهو ما حصل بين كندا والولايات المتحدة الأميركية والمكسيك، هو شبيه باتحاد آخر ناجح في آسيا باسم آسيان، يضم نمور آسيا الاقتصاديين من صغار الحجم، والاتحاد آخذ بالتطور والإصلاح بالتدريج ويتحول مع الوقت إلى قوة فاعلة ومؤثرة.

«الاتحاد» الخليجي مسألة بديهية ومطلوبة، ولكن إمكانية وكيفية تفعيلها تبقى المعضلة الأهم، مع عدم إغفال أن مسائل حجم العضوية لم تحسم بعد فيما يتعلق بكل من المغرب والأردن اللذين لا يزال الوضع معهما غير واضح الملامح، في ظل رسائل متضاربة وتصاريح متناقضة في السابق صدرت من بعض المسؤولين في هذا الصدد لم تزِل الغموض عن انضمامهما بشكل قاطع ونهائي للمجلس، وما يستحق على الأردن وعلى المغرب من الممكن أن يقال عن اليمن التي كان الحوار معها قائما في فترة من الفترات لانضمامها للمجلس، وجرى الحديث لإدخالها كمراقب في المرحلة الأولى قبل الانضمام بشكل كامل.

كل هذه المسائل المتعلقة بالسيادة وتفاصيلها وحرية كل دولة في تطبيق قوانين وأنظمة تخصها، حتى ولو لم يكن ذلك منسجما مع دول أخرى، هي ضمانات أن يكون المجلس واجهة حقيقية وليست مصطنعة لكل ما يحصل في الدول الأعضاء، وليس صورة منمقة لما يجب أن تكون عليه الأمور فقط. الاتحاد الخليجي إذا ما كتب له الانطلاق بقناعة وبلا مجاملة، فسيكون نقلة نوعية، ليس فقط من حيث الشكل والاسم، ولكن من ناحية الأهداف والآمال والطموحات، فاستغلال الفرصة السياسية التاريخية مطلوب. دول مجلس التعاون الخليجي حكامها لديهم علاقة مستقرة، وهناك قوة اقتصادية استثنائية، لو تمت ترجمة تلك الأمور بشكل عملي عبر كيان اتحادي جديد يبنى على تلك المسألتين ويطورها بأنظمة وسياسات وقوانين وتشريعات تحقق للدول والشعوب «النقلة النوعية» المرجوة، وقتها فقط من الممكن القول إن الفكرة نجحت، وإن الاتحاد فعلا قوة؛ لأن كل الخوف أن يكون الإحباط والمخاوف والمحاذير والقلق والشك وسوء الظن أقوى، ويكون بالتالي كل هذا أخطر من كل «الأعداء» مجتمعين.

مجلس التعاون الخليجي أنظمة وشعوبا لديه فرصة مهمة واختيار تاريخي قد لا تأتي ظروف مشابهة مرة أخرى لتحقيقه، فلتستغل جيدا هذه المرة وليكن الاتحاد الحقيقي هو الهدف.

[email protected]