المال لا يشتري الصحة والسلامة

TT

بالمنظور الدولي، يعيش الأميركيون فترة زمنية أقل وبمستوى صحي متدن. هذا هو أبرز ما تضمنه التقرير الطبي الصادر في التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي عن كل من المجلس الوطني للبحوث (National Research Council) ومؤسسة الصحة بالولايات المتحدة (Institute of Medicine).

ووفق ما أوضحه التقرير، فإن الولايات المتحدة تقع في المرتبة 16 بين مجموعة من الدول الأوروبية والمتقدمة في أنحاء العالم وذلك بالنسبة لمستوى صحة وسلامة مواطنيها. وحتى فئة الشباب لم تسلم من هذا التقييم في المستوى. وأضاف التقرير أن قاطني الولايات المتحدة يموتون أسرع ويصابون بالأمراض وعرضة للإصابات حوادث أكثر، بالمقارنة مع بقية الدول المتقدمة ذات الدخل المادي العالي، مثل أستراليا واليابان وبريطانيا وغيرها.

واستطرد التقرير أن الأميركيين معرضون سبعة أضعاف أكثر للوفاة بسبب جرائم القتل، وعشرين ضعفا أكثر احتمالا للوفاة جراء إطلاق النار مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى. وأن مدة العمر الافتراضي أقل، وهو ما يشمل الأطفال الرضع وحتى من هم في سن 75 سنة. وأن معدلات «الولادة المبكرة» في الولايات المتحدة، أي ولادة الطفل قبل اكتمال مرحلة الحمل في رحم الأم، تشابه معدلات ذلك في الدول الأفريقية جنوبي الصحراء الكبرى.

وعلق البروفسور ستيفن والف، طبيب الأسرة بجامعة كومنويلث فرجينيا ورئيس لجنة واضعي التقرير، بالقول: «صحة الأميركيين أسوأ بكثير، على حد قوله، بالمقارنة مع سكان الدول الأخرى، هذا على الرغم من أننا ننفق أكثر على الرعاية الصحية».

ولاحظ التقرير أن هذا التدني في المستوى الصحي والتعرض العالي لإصابات الحوادث ليس مقتصرا على الأقليات أو المناطق الفقيرة، وهو ما قال البروفسور عنه: «حتى الأميركيون البيض ومتلقي خدمات التأمين الصحي والحاصلون على شهادات جامعية وذوو الدخل المادي العالي، كلهم مشتركون في سلوكيات صحية تجعلهم أضعف من أمثالهم في الدول الأخرى».

من جهتها لاحظت الدكتورة بيرنايس ريمالا، من جامعة كويننبياك كونيتيكت بالولايلات المتحدة، أن الدراسات السابقة ركزت على شريحة منخفضي الدخل المادي والأقليات العرقية، ولكن هذه الدراسة أن المشكلة ليست مرتبطة فقط بالدخل المادي أو الحالة الاجتماعية.

والواقع أنه بمراجعة التقرير نلحظ أن ثمة عدة عوامل مؤثرة، قدمت لنا هذه النتائج البائسة على حد وصف واضعي التقرير أنفسهم. ومنها السلوكيات غير الصحية في نمط الحياة، والتي أدت إلى انتشار التغذية الرديئة النوعية والمحتوى، وتدني بذل المجهود البدني في ممارسة أنشطة الحياة اليومية، والتفاوت الواضح في مستوى تقديم الرعاية الصحية للناس، وافتقار البعض للتأمين الصحي، وارتفاع معدلات الإدمان، وعدم التجاوب مع تعليمات ربط أحزمة المقاعد في السيارات، والميل إلى استخدام الأسلحة النارية.

ولاحظ البروفسور والف ضرورة العمل على مواجهة هذه المشكلة، وأضاف: «إن فشلنا في القيام بالعمل المطلوب فسيستمر تناقص العمر الافتراضي وسيواجه الأطفال حياة أقصر ومعدلات إصابة أكبر بالأمراض والحوادث بالمقارنة مع الأمم الأخرى».

ولا يمثل ارتفاع مستوى الإنفاق المادي على الرعاية الصحية الطريق لرفع مستوى الصحة والسلامة في الأمم، بل هي إحدى الوسائل المفيدة لتعديل أي اضطراب صحي إن نشأ لدى إنسان ما. ومنشأ الأمراض وإصابات الحوادث هو السلوكيات غير الصحية في الحياة اليومية. ولذا يبدأ رفع المستوى الصحي بالاستثمار في التوعية الصحية وتبني السلوكيات الصحية في الحياة اليومية.

واستمرار نهج تناول المأكولات الضارة وعدم الحركة والنشاط البدني، هما ما سيرفعان من معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة ذات المتطلبات العالية في الإنفاق المادي على تقديم معالجاتها الطبية. وبالمقارنة، فإن انتقاء تناول الطعام الصحي غير مكلف ماديا، وقيام أحدنا بالهرولة لمدة ربع أو نصف ساعة يوميا هو شيء غير مكلف.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]