12 كلمة للديكتاتور

TT

ذهب الديكتاتور إلى النوم وهو يفكر في وسيلة جديدة يسيطر بها على شعبه. ولما استيقظ قرر أن يحذف المفردات غير النافعة من لغة الناس وألا يترك سوى 12 كلمة يتبادلون بها الحديث ولا يخرجون عنها. هل ثار الشعب على الرئيس؟ إن الكلمات هي التي تنتفض على الديكتاتور وتطالب بحقها في الحياة على شفاه البشر.

هذه هي فكرة الرواية الجديدة والماكرة للأديب إريك أورسينا، عضو الأكاديمية الفرنسية الذي كتب، في السنوات الأخيرة، عدة روايات تدور حول اللغة وقواعدها. ومن يقلب صفحات «مصنع الكلمات»، يتوهم أنها رواية للصغار واليافعين. ففي كل صفحة، بضعة أسطر تقابلها رسوم كاريكاتيرية وتخطيطات لطيفة. لكنها رواية لكل الأعمار، تبدأ بسؤال: «أين تحرق القواميس؟». وتدور أحداثها على لسان شابة كانت في العاشرة من العمر يوم أصدر «رئيسنا لمدى الحياة وما بعد الحياة» قراره باختزال اللغة.

لقد ظهر، في ذلك المساء، في نشرة الأخبار وكان غاضبا من شعبه الثرثار «شفهيا وتحريريا»، الذي يتكلم ليل نهار ولا يعمل، ووعد بأن يشفي الشعب من تلك العلة. إن الكثير من الكلمات أمر ضار، مثل الكثير من النوتات الموسيقية والكثير من الحرية والكثير من طيب العيش. وفي اليوم التالي، أصدر الديكتاتور قائمة بالكلمات التي يسمح باستخدامها وأمر بحذف كل ما عداها. عاشت الأمة. عاش الرئيس المؤبد.

سكت الناس جميعا على مضض وعاشوا في حزن، وكان بينهم قبطان يهوى جمع القواميس، وشقيقتان تعشقان اللغات المنقرضة كالإغريقية واللاتينية، ومهرب ببغاوات نادرة، وصاحب مقهى يلجأ إليه الأزواج المتخاصمون للتفاهم والتصالح بدل الطلاق. لكن البطلة، بعد طول معاناة، تقرر أن الساعة قد حانت للكلام والاعتراض على قرار الديكتاتور مهما كانت المحاذير. وهي ستستخدم كافة كلمات الحكاية لكي تكون الناطقة بلسان المفردات الغافية في القواميس. إنها ليست متأكدة من أن مواطنيها سيهبون لنجدتها حين تتعرض للهجوم. هل سيغلقون الأبواب والنوافذ ويستغنون عن الورق والأقلام والإيميلات والرسائل النصية؟ ومع هذا تمضي في إيمانها بقدرة اللغة، ولا تريد من الناس سوى آذانهم الصاغية، وأن يفتحوا ذاكرتهم. إن من ينسى المفردات المتنوعة الصالحة للتعبير عن كل أهواء النفس يضمر عقله وتجدب حياته.

يكتب أورسينا على لسان بطلته «نحن لا نستنبط الكلمات، بل هي من يخترعنا». إنها ليست حيوانات صغيرة ناعمة وجميلة، بل مخلوقات تحب المعارك، ذلك أنها وسيلة التعبير عن العواطف ورواية كافة أشكال المغامرات. وهي قد تكون خطرة لمن يرويها ولمن يستمع إليها. وبهذا، فإن بعض الحكايات إعلانات حرب.

ومثلما تبدأ الرواية القصيرة (140 صفحة) بسؤال، فإنها تنتهي بسؤال: «ماذا يكون الحب من دون كلمة حب؟». وعند الانتهاء منها، يخطر على البال أن هناك من الثورات ما اكتفى بكلمتين: «ارحل» و«فهمتكم».