هل الأسلحة النووية هي المشكلة بحق؟

TT

في ما يتعلق بانتشار التأثير الروسي الذي امتد حتى شرق الأناضول بعد عام 1878، اقترح شاه إيران إنشاء «اتحاد دول إسلامية» وتلقى رد فعل إيجابيا من إسطنبول. وعلى الرغم من ذلك فإنه بعد فترة قصيرة هيمنت المصالح الوطنية والتكافل الديني، ولم يتسن الإبقاء على التعاون.

في تلك الفترة واجهت إيران تهديدا عظيما واحتاجت لدعم هائل! ولهذا، دعت للاتحاد مع الإمبراطورية العثمانية، أضخم إمبراطورية في ذلك الوقت. ذكر موقعها الجغرافي إيران بهذه الحقيقة المهمة «لا يمكنك أن تظل وحيدا!». في كل مرة ظهر فيها تهديد كبير أدركت إيران أن النزاعات مع القوى الغربية أو الدول الإسلامية الأخرى دفعت بها نحو كارثة؛ ربما نرى التاريخ يعيد نفسه.

حيرت الرسالة المعتدلة بشكل غير متوقع لنظام روحاني الجديد بعض الناس، بعضهم كان في انتظارها، فيما لم يؤمن بها آخرون على الإطلاق. ومع ذلك، فإن بعض من يراقبون إيران عن كثب يمكن أن يلاحظوا أنه لا سيما في أعقاب الربيع العربي تحولت إيران إلى حالة عزلة أكثر عمقا في الشرق الأوسط. لقد أدت بها السياسة السورية لحزب الله في لبنان إلى خسارة بعض أتباعها. على الجانب الآخر، شارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نوع من التحالف مع أميركا في سياستها الشرق أوسطية: حرمت هذه التطورات إيران من أكبر تحالفاتها. من ناحية أخرى، دفع الحظر الاقتصادي الذي امتد لأعوام بالشعب إلى حالة من الإرهاق واستنزاف القوى، وانتهى الحال بإيران لأن تصبح وحيدة. كان ذلك هو الوقت لتذكر الدرس التاريخي، ألا وهو أنها يجب ألا تظل وحيدة!

اليوم، فإن تولي نظام روحاني مقاليد السلطة، مع تركيزه على «الاعتدال والوسطية»، ووقوفه إلى جانب الإصلاحات ومعارضته الحرب وتشديده على إرساء السلام، فضلا عن إعطائه الضوء الأخضر مؤخرا لعمليات التفتيش عن الأسلحة النووية، كلها أمور جديرة بأن توضع في الحسبان.

حينما تكون إيران محور نقاش من الحتمي ألا نكن في أنفسنا أي شكوك. ومع ذلك، فإن بعض التفاصيل تتطلب نظرة أكثر قربا:

كان روحاني المفاوض النووي الرئيس الذي عطل أجزاء ضخمة من برنامج إيران النووي في الفترة من 2003 إلى 2004 بشكل أحادي الجانب، من دون رد من الغرب، تحت حكم الرئيس خاتمي. واستقال من منصبه حينما تولى أحمدي نجاد الرئاسة ورغب في أن ينحو بالمفاوضات في اتجاه مختلف، وأكثر اعتمادا على المواجهة.

سوف يتمثل كبير مفاوضي إيران في الشؤون النووية الآن في وزير الخارجية محمد جواد ظريف. ويعدّ هذا أيضا في حد ذاته تغييرا إيجابيا؛ فهو يحظى باحترام شديد في العواصم الغربية كرجل صاحب ذكاء عال ومهارة دبلوماسية مميزة.

ومع الفريق النووي الجديد في إيران، هل يزداد احتمال إبرام اتفاق نووي؟ ربما.. سوف يشعر المفاوضون الغربيون بأنهم واقعون تحت وطأة ضغط يدفعهم لعدم إضاعة فرصة الإجابة عن هذا السؤال الذي طرحه انتخاب الدكتور روحاني والتعيين اللاحق لفريق عمل صاحب خبرة ومهارة. لقد شهدنا أن أوباما قد بعث خطابا إلى المسؤولين الإيرانيين، وقام مؤخرا بتخفيف بعض العقوبات، في الوقت الذي يتحدث فيه روحاني عن توطيد علاقات أفضل بالمجتمع الدولي. وإضافة لهذه التطورات الإيجابية يمكننا أن نوضح أيضا أن الرئيس أوباما تحدث مباشرة إلى الرئيس روحاني عبر الهاتف؛ ويعد هذا هو أول اتصال بين رئيس أميركي وأي ممثل من الحكومة الإيرانية منذ ثورة 1979.

هل هم فقط يجسون النبض أو هل تحقق التغيير الحقيقي في نهاية المطاف؟

ما زال الوقت مبكرا جدا للقول بأن التغيير الحقيقي قد حدث، لكن ثمة استعدادا كبيرا من جانب الولايات المتحدة للمشاركة في تواصل مباشر مع الرئيس الإيراني وإدارته يفوق أي وقت مضى منذ يناير (كانون الثاني) 2002. مما لا شك فيه أنه في هذه المرحلة يختبر الطرفان بعضهما بعضا، ومن الواضح أن الجانب الأميركي قد تأثر حتى الآن بردود أفعال الإدارة الإيرانية الجديدة وبالإشارات التي بعث بها الخطاب.

دعونا نتحول الآن إلى القضية الرئيسة.. هل المشكلة تتعلق بالفعل بالمسألة النووية؟

إن العالم متخم بحق بالأسلحة النووية. تملك الولايات المتحدة وروسيا وإنجلترا وفرنسا والصين وإسرائيل وباكستان والهند ودول حلف الناتو أسلحة نووية. تمثل كوريا الشمالية الشيوعية تهديدا بارزا يستهدف الأسلحة النووية الموجهة لبقية أنحاء العالم ويختبرها في أي موقع. تشكل إيران تهديدا آخر حقيقيا، بالعداء والسياسة التمييزية التي تنتهجها منذ سنوات. ومع ذلك، فإن ما يجعل هذه الدول تمثل تهديدا ليس الأسلحة التي تملكها، وإنما الكراهية، التي تمثل أكبر مشكلات العالم. فبصرف النظر عن ماهية الأسلحة التي تملكها، سوف تؤدي الدول التي تنتهج سياسة عداء إلى حدوث هذا الدمار بصورة أو أخرى. إذا سحبت الأسلحة النووية التي يملكونها اليوم فسوف يظهرون مجددا كتهديد بأنواع مغايرة من الأسلحة حتى على حساب جعل شعبهم يتضور جوعا. ولهذا، تملك كوريا الشمالية، الدولة التي تخصص ربع ميزانيتها السنوية للجيش، أعلى معدل وفيات جراء المجاعة وأعلى معدل وفيات للرضع، وبشكل عام، متوسط عمر أقل بكثير.

لقد أشرت إلى هذا عدة مرات في مقالاتي؛ من الجيد أن الولايات المتحدة تظل في الشرق الأوسط كعنصر توازن، لكن ينبغي أن تحقق الولايات المتحدة هذا الهدف من خلال التعليم. فإذا لم تشأ أن تنظر لإيران بوصفها تهديدا لها أو لإسرائيل أو لدول الخليج، فعليها أن تمضي قدما في سياساتها بالتعليم وليس بالسعي وراء امتلاك قنابل نووية.

إنه على أميركا أن تلتقي المسلمين العقلاء والمستنيرين للحديث صراحة عن أنه في الإسلام الحقيقي لا يوجد مكان للتمييز والعداء والكراهية. وبهذه الطريقة ينبغي أن تأتي بنموذجها الخاص للحرية في الشرق الأوسط؛ وتعتبر هذه هي الحاجة الماسة للمنطقة. أما عن إيران، فبصرف النظر عن إلى أي مدى يمكن أن يعدّ التغيير في إيران بارقة أمل، فسوف تبقى إيران التي تعرف بدرجة أكبر بتعصبها الشيعي لا بجوهر الإسلام الشيعي نفسه، والتي تخضع لسيطرة دولة عميقة كتهديد، ما دامت تضع في ذهنها حقيقة أنها قائمة على القمع والغضب والقيود، وتتجاهل حقوق الإنسان والحقوق البشرية.

وبينما تمثل هذه الإمبراطورية القمعية المتأصلة مصدر خوف لشعبها والقوى الخارجية، فإن الاكتفاء بإرسال رسائل معتدلة بوجوه باسمة ربما لا يثبت كونه كافيا. إن ما تحتاج إليه إيران بالأساس هو التسامح والتراحم، لا الاعتماد على التعصب والغضب المصاحب له. ينبغي أن تتوقع إيران عصرا ذهبيا يعم فيه السلام كل أنحاء العالم، لا حربا سوف تدمر العالم بأسره. ينبغي أن تظهر إيران أنها تتبنى كل المدارس الإسلامية وكل الديانات وأنها مفتوحة على الحريات. عليها أن تكون تابعا لوحدة المسلمين، تماما مثلما فعلت قبل أعوام، حينما تقدم الشاه بمثل هذا الاقتراح للسلطان العثماني. إذا ساد الحب في إيران وإذا غيرت عقليتها الخاطئة وأصبحت نظاما يقوم على الحب لا على الخوف، تصبح المرافق النووية غير مرئية، ليس فقط لإيران، بل للعالم بأسره، وفي النهاية يمكن أن يعود السيف المسلط المقيت الذي يحدق فوق رؤوس البشر كافة إلى غمده من جديد.