خيارات أردوغان وآخر استطلاعات الرأي

TT

بينما كان رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي يضع اللمسات الأخيرة على رزمة الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المعلن عنها كان أقرب أعوانه يعرضون عليه مضمون وأرقام آخر استطلاع للرأي كشف النقاب عنه في نهاية الأسبوع المنصرم.

مؤسسة «كونسنسس» إحدى أهم شركات استطلاع الرأي التركية التي تميزت في إطلاق أقرب التوقعات لنتائج الانتخابات العامة التي أجريت عام 2011 نشرت تفاصيل دراسة ميدانية أجرتها حول الخيارات السياسية والاجتماعية في تركيا وشملت استطلاع آراء مئات المشاركين في 81 ولاية تركية يمثلون شريحة واسعة من مختلف الأعمار والميول والتوجهات.

أردوغان الذي يستعد لثلاثة انتخابات في العامين المقبلين محلية ورئاسية وبرلمانية والذي يعرف أن مستقبل ومصير العدالة والتنمية التركي للعقد المقبل مرتبط مباشرة بنتائج هذه الانتخابات سيولي الأهمية حتما لتقرير من هذا النوع رغم ما يحمله من إيجابيات وسلبيات. فاستطلاعات من هذا النوع لها الأولوية بتذكيره بمطالب وهموم المواطن التركي ورأيه الحقيقي في القيادة السياسية وقراراتها وخياراتها.

قراءة موجزة في أهم مطالب الشارع التركي حول مسائل حساسة ومصيرية تساعدنا ربما على التعرف عن قرب على مزاج الناخب التركي وضرورة الإصغاء لما يقول في قضايا داخلية وخارجية ساخنة.

50 في المائة يرون أن أهم مشكلات تركيا الواجب حلها هي أزمة البطالة القائمة. موضوع الإرهاب حل في الموقع الثاني بنسبة 48 في المائة ثم توالت مشكلات التعليم والديمقراطية والحريات والغلاء.

المفرح بالنسبة لحكومة أردوغان هو ربما استعداد 50 في المائة من مجموع الناخبين الأتراك للإدلاء بأصواتهم لصالح العدالة والتنمية في انتخابات نيابية عامة تتم ساعة إجراء استطلاع الرأي هذا. وهو رقم تلتقي عنده الكثير من التوقعات التي طرحت في الأشهر الأخيرة. أقرب منافسيه الشعب الجمهوري المعارض حصل على 27 في المائة فقط من الأصوات.

المحزن بالمقابل هو رقم 40 في المائة فقط سيحصل عليه حزب العدالة في الانتخابات البلدية وسط منافسة شديدة مع حزب الشعب الذي ما زال متمترسا في الكثير من مدن بحر إيجه وفي أزمير تحديدا المعروفة بقواعدها اليسارية والعلمانية والأتاتوركية رغم أن التوقعات تمنح هذا الحزب 25 في المائة فقط من مجموع الأصوات.

في الملف الكردي مثلا 43 في المائة من الأصوات فقط تدعم تحرك الحكومة في مسعاها الأخير باتجاه الحوار مع عبد الله أوجلان وحل المسألة الكردية ونسبة قليلة لا تتجاوز 39 في المائة تقول إن العدالة والتنمية نجح في الحرب على الإرهاب. وهذا ما يعني أن الموضوع الكردي في تركيا ما زال في قلب النقاشات وهو ملف شاق وصعب على الجميع.

ضغط آخر سيواجهه أردوغان في قضية الدستور الجديد المنوي إعلانه. حيث إن 67 في المائة يعترضون على تفرد العدالة والتنمية في إقرار هذا الدستور ويطالبونه بإشراك بقية الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية في تحديد معالم هذا الدستور.

استطلاع الرأي فاجأ الكثيرين ربما وبينهم وزير الخارجية أحمد داود أوغلو حيث حظي الرئيس التركي الحالي عبد الله غل بأصوات 26 في المائة من العينات تريد أن تراه على رأس الحكومة إذا ما كانت هناك عملية تبديل أدوار مع أردوغان بعد عامين. نعمان كورتولموش حصل على 13 في المائة ووزير الخارجية التركي نال 5 في المائة فقط من التأييد.

ربما الصدمة الأكبر والأهم التي تعرض لها أردوغان المتحمس الأول لمشروع تغيير شكل النظام من برلماني إلى رئاسي في تركيا هي نسبة المعارضة التي وصلت إلى 74 في المائة مقابل 26 فقط تبنوا ما يريده رئيس الوزراء التركي. وهي أرقام ونسب تراجعت بشكل ملحوظ بالمقارنة مع الأرقام والاستطلاعات السابقة.

في الشأن الخارجي ربما المفاجأة كانت مع نسبة 48 في المائة يعارضون سياسة أردوغان في التعامل مع الأزمة المصرية مقابل 40 في المائة يؤيدونها أما في الملف السوري فالنسبة وصلت إلى 34 في المائة يؤيدون مواقف الحكومة مقابل 56 في المائة لا يصوبون السياسة الحالية وهو رقم لافت يعكس الدعم المتراجع بالمقارنة مع استطلاع آخر نشر عام 2012 وكانت نسبة المؤيدين وقتها نحو 44 في المائة.

نتائج الاستطلاع هذا قد لا تعجب أردوغان في الكثير من أرقامها وتوقعاتها لكن الذي سيشعر بخيبة أمل أكبر هو كمال كليشدار أوغلو زعيم الشعب الجمهوري دون شك الذي يحارب على كافة الجبهات الداخلية والخارجية منذ عامين دون تسجيل أي تقدم يذكر حتى الآن.

رجب طيب أردوغان وراء 8 سنوات جديدة من السلطة رغم الانتقادات والاعتراضات وهو يقول إن المهمة لم تنجز بعد وإن الهدف فك القيود والسلاسل المتبقية قبل احتفالات مئوية تأسيس الجمهورية عام 2023 وهو سيذكر المعترضين على التمديد للعدالة والتنمية تحت غطاء الديمقراطية والتغيير والتجديد بنتائج الانتخابات في ألمانيا وبقاء المستشارة ميركل لفترة ثالثة.

هناك 6 أشهر متبقية لأول امتحان يخوضه الجميع فهل تحدث المفاجآت التي تقلب المعادلات أم أن أردوغان اتخذ كافة الاحتياطات والتدابير التي تقطع الطريق على أي رياح تهب وتحرك السفن بالاتجاه الذي لا تشتهيه؟