قوة الاختيار

TT

لم يحدث أمر تأثيرا جذريا في حياتي مثل ما أحدثه إدراكي لـ«قوة الاختيار» على مجرى حياة الناس. فكثير منا يظن أنه ضحية بيئته أو وظيفته أو نتيجة قرارات الآخرين ضده، لكنه في الحقيقة ينسى أنه دوما لديه حرية الاختيار. وقوة الاختيار هي الفضيلة التي تميز البشر عن سائر المخلوقات.

وتكمن قوة الاختيار في أن الإنسان مخير وليس مسيرا، ولولا هذه الفكرة لما بُعث أنباء ورسل منذ بدء الخليقة، ولما كان هناك أصلا فقه التخطيط ووضع الأهداف في عالم الإدارة الذي يضع الناس على طريق النجاح، فصار من عوامل الحكم على المؤسسة الناجحة حسن اختيارها لقراراتها.

ولولا قوة الاختيار لما شاهدنا بلدا متقدما وآخر متخلفا، ولما شهدنا مدرسة متفوقة وأخرى تسير في آخر الركب، ولما شهدنا فردا ناجحا وآخر يجر أذيال الخيبة! ولولا أن الإنسان لديه خيارات لما وجدت أصلا القوانين الرادعة. ألم تسأل نفسك لماذا يحرر الشرطي مخالفة مرورية ضدنا ويتجاهل السيارة المجاورة؟! الإجابة هي أننا اخترنا أن نضرب بالقوانين عرض الحائط!

وقوة الاختيار تظهر جلية أمامك حينما تكتم انفعالاتك أمام مديرك أو والدك أو والدتك، فالانفعالات يمكن أن نتحكم بها بالمران، وهذا أحد أسباب إصرار علماء النفس على أن يساعدونا على فهم كيفية التعامل مع نوبات الغضب والاكتئاب بالتخفيف من ردود أفعالنا، وهذه كلها اختيارات.

وكلما ارتفعنا في السلم الوظيفي زادت خطورة اختياراتنا، فالحاكم أو رئيس الحكومة حينما يختار قرارا غير رشيد يكون أثره على المجتمع أخطر من رئيس قسم في مؤسسة مغمورة. ولهذا كان الحكماء، على مر العصور، ينادون بأهمية أن يحيط القائد نفسه بالبطانة الناصحة التي ترشده إلى رحابة الخيارات المتاحة. زعماء العالم مثلا لديهم مستشارون في كل مجال حتى في أدق تفاصيل هندامهم وبروتوكولاتهم، ولكن كم منهم يحسن الإصغاء إلى نصيحة الخيارات؟

الراحل ستيفن كوفي عالم الإدارة الشهير تحدث في فيديوهاته وكتابه الرائع «العادات السبع للناس الأكثر تأثيرا» عن قوة الاختيار، في عادة «كن مبادرا» (Be Proactive)، حيث ذكر أننا كبشر «لسنا نتاج قرارات الآخرين، لأننا ببساطة نملك قوة الاختيار». فليس من المعقول أن نجلس ونندب حظنا العاثر ولا نشعل شمعة.

وهذا يذكرني بالعالم أديسون الذي اكتشف المصباح الكهربائي بعد 999 محاولة، وكان رده على مثبطيه الذين قالوا بأنه فشل في كل هذه المرات أنه لم يفشل، بل اكتشف 999 طريقة لا يعمل بها المصباح، فمضى في اختياره القوي وإصراره حتى نجح في إضاءة كوكب الأرض، ليكون شاهدا على قوة الاختيار. فالإنسان يمكن أن يستسلم أمام أول هبّة نقد تجتاحه، لكنه هو من سيدفع ثمن ذلك.

والمتأمل لسير الأعلام والمميزين بيننا يجد لديهم الإصرار على اتخاذ قرارات رشيدة لأنهم ببساطة يؤمنون أن مصيرهم مرتبط بقراراتهم، وهذا ما نحتاج إليه جميعا.

[email protected]