صناعة التذمر في السعودية

TT

من المهم في بعض الأحيان أن ترى صورتك في عيون الآخرين. وكلما كانوا أبعد عن محيطك الخاص، كانت الصورة مختلفة أكثر.

من يتابع السعوديين على «تويتر»، يلاحظ وجود نسبة ملحوظة من محترفي التذمر والسخط على كل شيء، خصوصا على أي شيء يصدر من السلطة، وتحويل كل المشكلات التي تعترض المرء إلى السلطة نفسها، حتى دخول شخص مجنون بسيارته إلى منزل مواطن، يلقي هذا المواطن باللائمة على الحكومة!

الشاعر العربي القديم يقول:

إن نصف الناس أعداء لمن

ولي الأحكامَ هذا إن عدل!

من أجل ذلك يجب تفهم هذه النسبة من السخط المعتاد، ضد أي مصدر سلطة، وهي شيمة بشرية قديمة، لكن ما لا يجوز تفهمه أو قبوله هو تحويل هذا الشعور الطبيعي القديم إلى منهج شامل لفهم كل شيء، وتحويله إلى سلوك عام للناس، من الصغار للكبار، ففي مثل هذه السويات النفسية تفقس يرقات الطامعين السياسيين، من الخارج والداخل.

أيضا من المهم وضع الأمور في نصابها وحجمها الطبيعي.

نشر في جريدة «الشرق الأوسط» تقرير مثير، أعده الزميل مساعد الزياني، عن استطلاع رأي لعدد من الشبان العرب من 16 دولة. كان من نتائج هذا الاستطلاع تصدر السعودية لموقع «الحليف الأول» لدى هؤلاء الشبان، بشأن رؤيتهم لأهم حليف لبلدانهم، وذلك لثقلها السياسي. وجاءت الولايات المتحدة ضمن قائمة الخمس الأفضل، في حين تبوأت الإمارات مرتبة الصدارة كأفضل مكان للعيش فيها.

جاءت هذه النتائج في «استطلاع أصداء بيرسون - مارستيلر السنوي السادس لرأي الشباب العربي»، الذي أجرته شركة الاستطلاعات العالمية «بين شوين آند بيرلاند» بمشاركة 3500 من الشبان والشابات العرب، الذين ينتمون للفئة العمرية بين 18 و24 عاما في 16 بلدا بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأطلق بإمارة دبي.

سونيل جون الرئيس التنفيذي لشركة «أصداء بيرسون – مارستيلر» قال للصحيفة إن السعودية «تعزز مكانتها في رسم السياسة الخارجية للعالم العربي، بعد أن حددت أهدافا جريئة وواضحة تتوقع من حلفائها الغربيين احترامها».

هذه الإشارة حول رأي الشباب العربي، تعطي لمحة عن حقيقة التفكير والصورة المستقرة في الخيال والذهن «الحقيقي»، وهي أيضا تخبرنا أن كثيرا مما نقرأه أو يتناهى إلى سمعنا من موشحات التذمر، أو نشمه من دخان الكآبة الذي يبث في الهواء العربي، خاصة السعودي، هو صورة زائفة وحجاب يحجز المشهد الحقيقي، بل ويخبرنا أكثر من ذلك أن هناك من يرعى «صناعة التذمر» في الجو العام، إما تقليدا ساذجا للسائد في وسائط الاتصال، أو لحاجة في نفس يعقوب.

فرق كبير بين النقد، حتى لو كان قاسيا، من أجل قضية محددة، والقيام على صناعة حالة دائمة للتذمر، أيا كانت القضية، لأن المهم لدى هؤلاء ديمومة النقمة.

الأولى حاجة ماسة لكل مجتمع صحي، والثانية خطر داهم يراد منه إمراض المجتمع لا شفاؤه.