ثورات وحقوق امرأة مهدورة

TT

يمكن القول بلا أدنى شك، إن المرأة لعبت دورا فعالا في الانتفاضات العربية التي شهدتها تونس ومصر، ثم ليبيا واليمن، وصولا إلى سوريا؛ ففي تونس كان للنساء حظ أكبر من الحقوق والمكانة الاجتماعية، بفضل الإصلاحات التشريعية التي بدأت منذ عقود، وأثمرت زيادة في الوعي والفاعلية، والمشاركة بنسبة معتبرة في قوة العمل، ومجالات الثقافة والإعلام، ما دفعهن إلى موقع الصدارة في ثورة السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) 2010، وكان لجهدهن وحشودهن في المظاهرات أثر كبير في إنجاحها.

وفي مصر أثبتت المرأة حضورا واضحا في مراحل الإعداد لثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011؛ فقد برزت كاتبات ونجمات وناشطات في الأحزاب والحركات السياسية، أسهمن في إذكاء الوعي بفساد النظام. كما شهدت منصات ميدان التحرير نساء أسمعن صوتهن للعالم، طبيبات تطوعن لإسعاف الجرحى، وكثير من المتظاهرات قتلن، أو تعرضن لإصابات بليغة. وما تهيبت النساء من القمع والإساءة والتشهير، وانبرت فتاة شجاعة لكشف إجبار الفتيات المعتقلات على الخضوع لاختبار «كشف العذرية» من قِبل الشرطة العسكرية.

أما في ليبيا فقد وفرت حركة السابع عشر من فبراير (شباط) 2011 فرصة للنساء الليبيات كي يقلن كلمتهن، بل إن المرأة كانت في قلب الحدث حتى قبل أن يبدأ؛ ففي بنغازي توجهت أمهات «شهداء أبو سليم»، وأراملهم، إلى مديرية الأمن قبل يومين من الانتفاضة، مطالبات بإطلاق سراح فتحي تربل (محامي الضحايا)، ثم اعتصمن أمام المحكمة بأعداد كبيرة. وخلال الانتفاضة، سمعنا نساء معارضات يتحدثن عبر الإذاعات والقنوات الفضائية، وأخريات وزعن مناشير الثوار، هربن السلاح إليهم، فتحن منازلهن لجرحاهم، تبرعن بأموالهن للجان الثورية، منهن من اعتقلن وعذبن بأخس الأساليب. كما شكلت نخبة من البنغازيات جمعيات لمساعدة الأسر النازحة من مصراتة والجبل الغربي.

وفي اليمن، كان إسهام النساء في الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام، مدعاة توجس وغضب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، فأمام حشودهن الكبيرة، خرج عن طوره وصار يدعوهن لإخلاء الساحات ويتهمهن بالخروج على الشريعة! وأثبتت المرأة اليمنية علو همتها في هبة الحادي عشر من فبراير 2011، فقد شاركت في أعمال اللجان الثورية، واعتلت المنصات في ساحات التغيير، متحدثة جريئة، واجهت رصاص النظام، سقطت جريحة وشهيدة، أدهشت العالم بمثابرتها، فلم تهب الخطف وتشويه السمعة والتخوين. في ساحة التغيير بصنعاء رابطت أعداد كبيرة من الطبيبات والممرضات، لإسعاف الجرحى وتأمينهم، وفي عدن كانت حشود النساء هائلة، تهدر بصوت واحد لإسقاط النظام، حتى إن بعض المراقبين وصفوا الانتفاضة بأنها ثورة النساء. سوريا كانت آخر البلدان في ثورتها التي ما زالت جراحها تنزف، بين سيوف «داعش» و«النصرة»، وأعاصير نظام الأسد وقاصفاته. لقد كانت انتفاضة الخامس عشر من مارس (آذار) 2011، في بدايتها سلمية واعدة، لكن وتيرة العنف بعدها حالت دون أن تأخذ المرأة دورها كنظيراتها العربيات، مع أن مستوى الوعي للنساء السوريات عال، إلا أن هذا لا يعني أن المرأة بقيت متفرجة، فقد ساهمت في لجان الإغاثة وقدمت المساعدات الطبية للجرحى في الميادين، وبرزت كاتبات وصحافيات، ومشاركات في تكتلات المعارضة في الخارج، كان لهن دور في فضح أساليب السلطة وقسوتها في التعامل مع المحتجين. كثيرة هي التضحيات التي قدمتها المرأة لإنجاح الانتفاضات، فهل كان لها نصيب من مكاسب؟ وإذا كانت الثورة في سوريا لم تنتهِ، فإن بعض من يحمل السلاح باسمها («داعش» و«النصرة» وتشكيلات «القاعدة» الأخرى)، يظل مصدر تهديد جدي لوضع المرأة. الثورة - من حيث المبدأ - تعني التغيير للأفضل، لكن ما حصل للمرأة التونسية هو خلاف ذلك، فقد صرح راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة، بأن مجلة الأحوال الشخصية «مدار مراجعة وتعديل»، وحسب الكاتبة آمال قرامي، انتعشت التيارات المغالية في تشددها وصارت تدعو إلى ختان البنات، وتزويج القاصرات، بالإضافة إلى «تكفير» الناشطات في جميع المجالات. وباختصار شهدت شوارع ودور علم عنفا ممنهجا ضد النساء لإجبارهن على ملازمة البيوت.

نساء مصر أيضا واجهن صعود المتشددين، فضلا عن جماعة الإخوان، وأصبحن في موقع الدفاع عن مكاسبهن التشريعية التي تحققت في السنوات الأخيرة بحجة أنها من تركة النظام السابق، فتراجع تمثيل النساء في مواقع صنع القرار. واللاتي وصلن إلى البرلمان كن قليلات جدا، مقارنة بما كان يضمنه نظام الكوتا (64 مرشحة) الذي ألغاه المجلس العسكري السابق. لقد استشرى العنف ضد النساء لمنعهن من التظاهر والمعارضة. وصحيح أن حكم «الإخوان» انتهى، لكن من يضمن أن لا تدخل السلطة معهم بمساومات على حساب المرأة؟ في ليبيا تلقت النساء صفعة مبكرة من رئيس المجلس الوطني الانتقالي (مصطفى عبد الجليل)، فخلال احتفال بنجاح الثورة صرح بأن تعدد الزوجات سيصير قانونيا، ومع أنه لم يكن ممنوعا، لكنه غير محبب. ولقد استنكرت تصريحه كثرة من النساء... ضمنهن فتيات جامعيات متدينات.

أما عن اليمن فالمرأة حقوقها مهضومة في الأساس، لذلك ربما تأمل شيئا من التحسن على يد القيادة الجديدة. وبشكل عام لم تقدم الثورات للنساء مكاسب، بل حملتهن هموم القلق من سلطة الإسلاميين، وكلهم متشددون في نظرتهم للمرأة مهما أظهروا من اعتدال. كلمة لا بد من قولها، وهي موجعة، إن حقوق النساء لم تقر في معظمها إلا في ظل أنظمة ديكتاتورية.

* كاتبة وباحثة عراقية