كيف للإعلام أن ينهض بوعي المجتمعات العربية؟

TT

عندما تلغي مطبوعة ما صدورها وتتوقف عن الصدور، فهي تكون بذلك قد أوقفت أو ألغت تاريخا كان أناس يتفاعلون معه، وفوق هذا تكون المطبوعة قد قذفت بجهود السابقين إلى عالم النسيان. وفي الواقع فإن تغيير الجهاز التحريري والإداري وتطويرهما، أهون وقعا من ارتباط المجلة بجهازها القديم، وإيقافها عجزا أو فشلا أو فلسا.

وما إيقاف صدور مجلة «اليمامة» السعودية التي أسسها العلامة الراحل حمد الجاسر عام 1372هـ، بعد 60 عاما من العطاء المتواصل، إلا ويندرج في هذا الإطار.

لو نظرنا إلى تجربة المجلة الأميركية الأسبوعية «نيوزويك»، فهي تعد أكبر عمرا من مجلة اليمامة وعندما اتخذ قرار التوقف عن طباعة النسخة الورقية مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2012. وتتحول المجلة إلى النشر الإلكتروني ابتداء من 2013 بسبب زيادة شعبيتها على الإنترنت وارتفاع تكاليف الطباعة والنشر، ورغم أنها تصدر بعدة لغات من بينها العربية (منذ عام 2000)، ورغم استياء الكثيرين ممن كانوا مرتبطين بالطبعة الورقية وإصابتهم بالفجيعة، لم تتوقف الـ«نيوزويك» عن النبض فتحولت إلى إصدار إلكتروني بنسخة موحدة لمدة عام واحد فقط بالإضافة إلى فتح حساب تفاعلي رائع على «تويتر»، ثم عادت الطبعة الورقية للظهور مرة أخرى استجابة لأصوات الحنين ورغبات القراء والجماهير العريضة. المسألة برمتها بالنسبة لـ«نيوزويك» كتجربة تحتذى، لم تعد تتوقف على مشاعر العاطفة والارتباط النفسي بالإصدار الورقي، إنما تقوم على حدس شفيف ودراسة للسوق والإيمان أن نسبة المبيعات تقوم في الأساس على الميول، مثلما هناك من يحب تناول الإفطار مع الشاي، وهناك من لا يحبذون القهوة في المساء! فكان إدراك أهمية إعادة الإصدار الورقي إلى النور عملا متوازيا حقق التألق على الصعيدين، في حين أننا في العالم العربي نتعامل مع هذا الإرث الثقافي بأسلوب مختلف لا يؤدي، في معظمه، إلى التألق في هذا المجال!

أطلقت «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي نسختها الإلكترونية باللغة الصينية وقبلها باللغة الفارسية إدراكا لثقل أمة عريضة تحرص على التعرف على الثقافة العربية والأخبار التي تطحن العالم العربي! هذان الإصداران في هذا التوقيت يشكلان قفزة متقدمة نحو تعزيز مفهوم التواصل، خاصة إذا ما علمنا أن الصين تتوجه للمشاهد العربي عبر قناتها الناطقة بالعربية CCTV منذ عام 2009. وفي الواقع، توجد في الصين ما يزيد عن ست وسائل إعلامية ناطقة بالعربية، من أولها مجلة «الصين اليوم» بطبعتها العربية التي صدرت منذ عام 1964.

ومع اختلاف المنصات الإعلامية وتنوعها، إلا أن العالم لا يوفر طريقة للوصول إلى قلب بيوتنا ووعينا الجمعي العربي إلا وطرقها وتسلل إلينا عارضا ثقافته وحضارته وأخباره واهتماماته، وما يهم العربي بشكل عام من منظور مغاير، في حين أننا نعلم ولا نعير الأمر أهمية أن الصين أمة قوية مؤثرة ثقافيا واقتصاديا، ولها ثقل نوعي في كافة المجالات فكيف يمكن تجاهل ما يزيد على مليار نسمة، من بينهم نسبة المتعلمين 90 في المائة، وشعب تقضي حكومته ومؤسساته على الأمية بنسبة 99 في المائة، ويحتدم الجدل في الولايات المتحدة حول الخشية من أن يأخذ الاقتصاد الصيني موقع الاقتصاد الأميركي سريعا، إذا ما بقي الاقتصاد الصيني بهذا التواتر. وهو ما يوضح أسباب الاهتمام الغربي بثقافة الصين وتعليمها.

ومن هذا المنطلق على المؤسسات الصحافية والإعلامية العربية إعادة النظر في منهجية حضورها في الساحة، فبدلا من إيقاف مطبوعة تحتضر يمكن محاولة إحيائها ونقلها إلى عصر التحضر الإعلامي، عندما يوجه الرئيس الأميركي أوباما تهنئة إلى الإيرانيين بمناسبة عيد النوروز أو رأس السنة الفارسية، فلا ضير في أن يقرأها القارئ الإيراني بعيون عربية شرق أوسطية. العالم اليوم لم يعد قرية صغيرة كما كنا نظن في منتصف التسعينات إبان الثورة التكنولوجية في علوم الحاسب الآلي والهواتف النقالة وبرامجها المتسللة لعالمنا العربي، بل أصبح العالم كرة متشابكة من الأخبار المتسارعة والمتضاربة أحيانا والتي تستدعي اتصالا مباشرا ومتواصلا مع العالم بكافة أطرافه وأطيافه وصراعاته المتجاذبة إلى نواح لا تلتقي على الأرض، ولا يمكن لها الالتقاء إلا في الإعلام، فإذا لم يحسن الإعلام استخدام أدواته ومنصاته لبلوغ هذه النواحي فماذا عساه سينقل جديدا إلى قريته الصغيرة، وهل سيقبل المضي في حركة دائرية مفرغة لتدوير الأخبار «البايتة» التي تبقيه رازحا تحت وطأة الخمول والانشغال بنفسه في الدائرة المظلمة نفسها! كيف للإعلام أن ينهض بوعي المجتمعات العربية وهمتها نحو التقدم والإنجاز إذا لم ينهض باستراتيجياته وخطاباته منفتحا لمواجهة التحديات على عوالم أخرى؟!.

*كاتبة سعودية