الصراع الإسلاموي على السلطة بين مصر وتركيا

TT

«السياسة لا علاقة لها بالأخلاق» هكذا أعلن ميكافيلي قبل مئات السنين، وما تزال الأحداث في جميع الدول الديمقراطية منها والديكتاتورية تثبت مقولته. الجديد فيما بعد الربيع العربي أنه جرى إثبات أن السياسة لا علاقة لها بالدين، وليست هذه دعوة للعلمانية، إنما هي استقراء لأفعال الأحزاب التي ألحقت بآخرها صفة إسلامية.

الإسلام دين شامل ومعنى ذلك أنه حاضر في جميع شؤون الحياة ومنها السياسية، وحضوره يكون في تضمين تعليماته في المواد واللوائح المنظمة للعلاقات والأنشطة المجتمعية والحكومية، وهي مهمة المجتمع المسلم كاملا، الإيمان بهذه الحقيقة والعمل بهذه المسؤولية يقطع الطريق على من يتخذون الدين سلماً للوصول إلى أهداف شخصية وحزبية. وسيصبح من المستهجن أن تظهر كما هو الآن أحزاب إسلامية في بلدان هي بالأساس مسلمة، هذه الأحزاب أثبتت في صراعها على السلطة أن «الأسلمة» لم تكن إلا أداة انتخابية تسعى من خلالها لاستغلال العاطفة الدينية في المجتمعات للوصول إلى الرئاسة. وكان من الواضح أن الصراعات التي نشأت بين هذه الأحزاب الإسلامية لم تكن صراعات آراء فقهية حول تطبيق تعاليم الإسلام، إنما هي صراعات حول أهداف سلطوية وجماهيرية.

في مصر تلاقت وتنافرت مصالح الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي في مدة زمنية قليلة، فالحزب السلفي الذي كان ثاني أكبر حزب إسلامي دعم مرشح الإخوان في الجولة الرئاسية الثانية، ودعم الإعلان الدستوري عام 2012 مع بعض التحفظات، وشارك مع الإخوان وقوى إسلامية في مليونية الشرعية والشريعة، ثم تبدلت الحال فأصبح الحزبان ندين شرسين، وعلى الرغم من اتخاذهما الإسلام مرجعية يستمدان منها شرعيتهما، فإن ذلك لم يمنع الخلاف والتصارع بينهما، لأن الإسلام عندهما لم يكن غاية وإنما كان وسيلة لغاية السلطة. والدليل على ذلك بعض تصرفات الإخوان إبان توليهم الرئاسة مثل برقية شكر الرئيس الإسرائيلي وتجديد ترخيص النوادي الليلية، وهي تصرفات أوقعت أنصار الإخوان في حرج أخلاقي لتعارض هذه التصرفات مع المبادئ التي على أساسها أيدوا الإخوان وآزروهم.

في تركيا، يحتدم الصراع بين أردوغان والمفكر الإسلامي محمد فتح الله كولن على السلطة، وإن نفى الأخير سعيه وأتباعه إليها، إلا أن كل الاتهامات المتبادلة تقول إن الهدف السلطة ولا شيء غيرها. ولن أتحدث عن الخلاف الداخلي، لكن سأتحدث عن نظرة العرب - وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي - تجاهه، المناصرون للإخوان المسلمين يرون في أردوغان نموذجا رئاسيا إسلاميا فريدا لذلك يقفون معه في كل شاردة وواردة، حتى بلغ بهم ذلك إلى الوقوف معه في حظر «تويتر»، وساندوه في قضية الفساد الحكومي، ولم يكلفوا أنفسهم عناء النظر إلى وجهة النظر الأخرى من القضية كولن وأتباعه، الذين ينطلقون هم أيضا من ثقافة دينية ويبنون تعاملاتهم وصراعاتهم أيضا عليها. هذا التجاهل أدى بأحد الأتراك إلى القول في «تويتر» ردا على مؤيدي أردوغان: «مساكين أنتم أيها العرب» تتبعت معرفه فوجدته من أنصار كولن، هو ينظر إلى تغريدات العرب المنافحين عن أردوغان بمنظور الشفقة على أناسٍ لم يتعرفوا على طبيعة الصراع وخلفياته، تعميهم العاطفة عن تبين ما يحدث لمعرفة المخطئ من المصيب.

ربما لو نزع المؤيدون للأحزاب والأشخاص غطاء العاطفة الدينية الذي يلتف على عيونهم وعقولهم لاكتشفوا الحقيقة العارية كما هي بلا تزييف وخداع، ولرأوا أن الدين حياة وليس أحزابا، وأن الحزب الذي يكثف من دعاية التصاقه به وحرصه عليه هو الحزب الأجدر بالتخوف منه، فالحزب والأشخاص المحبون لدينهم والمحترمون لعقول الناس سيأنفون عن استخدام الدين كوسيلة دعاية وترويج مثله كمثل الوعود الانتخابية الزائفة.

*كاتب سعودي