الوباء.. للفناء أو البقاء؟

TT

إذا كثر الناس كثرت مشكلاتهم. ونحن نعيش في زمننا هذا ذروة التخمة السكانية، الأرض تميد بكثرة الأرجل التي تمشي عليها. عام 1804 تعدى عدد سكان الأرض المليار الأول، وخلال القرن العشرين وصل عددهم نحو أربعة أضعاف. عام 1927 كان العدد ملياري نسمة، ليصل إلى سبعة مليارات نسمة عام 2012، ونحن الآن في عام 2014. هذا يعني التصارع على الموارد من غذاء وطاقة ومياه. ما يعني تسويغ هذه الصراعات باسم الدين والقومية والوطنية والإنسانية. ما يعني في الأخير المزيد من القلق. لم يفرغ الكلام في السعودية عن حمى الخنازير، حتى صار شغل الناس الشاغل حاليا حمى «كورونا». الجمل، صديق إنسان الصحراء العربية، هناك من يتهمه بأنه المصدر الرئيس لكورونا، مثل رئيس شعبة الأمراض المُعدية بكلية طب جامعة الملك عبد العزيز، د. طارق مدني. وهناك من ينفي هذا كوكيل وزارة الصحة المساعد للطب الوقائي د. زياد ميمش. وهناك مسؤولون كبار يقولون: إن ثمة مرضا عنيدا اسمه كورونا لكنه تحت السيطرة ولا يجوز بث الذعر.

خلال العقود الأخيرة، خرج العالم من ذعر «السارس» إلى ذعر إنفلونزا الدجاج، ومن قبل ذلك جنون البقر، وحاليا عاد الحديث عن فيروس «إيبولا» العنيد. الأوبئة الكبرى التي تجتاح الملايين من الناس، وليس عشرات أو حتى مئات الأفراد حاليا، كانت جزءا من تاريخ البشر المعتاد، وهناك عشرات «الطواعين» التي ضربت منطقتنا باكرا، أشهرها طاعون «عمواس» بالشام في خلافة عمر سنة 18هـ.

هذه الأوبئة كان لها أثر كبير في تعديل البنى السكانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويذهب بعض «القساة» من المؤرخين، إلى أنها كانت سببا في التحكم بخلل الموازين العامة، مثلها مثل الحروب الهائلة المفنية لملايين البشر، وأنه لولا الأوبئة والحروب لما تطور العلم والبشر! وجهة نظر ربما تبدو خشنة قاسية. لكن هذا ما جرى بالفعل. كان «الطاعون الأسود» الذي اجتاح العالم في القرن 14 الميلادي من 1347 - 1351م، لحظة انتقال للبشرية كلها من عصر إلى عصر ومن حال إلى حال. التقديرات تتحدث عن موت نحو 45 في المائة إلى 50 في المائة من سكان أوروبا. هذا الحدث كان له أثر كبير في ولادة أوروبا الحقيقية، وفي تطوراتها السياسية والاجتماعية. في عصر أقرب بمنطقتنا كان للوباء الشهير بـ«بطاعون البصرة» 1773م أثر كبير في العراق والكويت والخليج، وغيرها، وقدر عدد ضحاياه بنحو مليوني إنسان. كان من أثر ذلك خراب البصرة ودورها التجاري، وفناء نحو ثلثي سكان الكويت. في نجْد سنة 1918 وقع وباء قضى على ألوف البشر، عرف بسنة الرحمة، تفاؤلا بعكس المرض، وممن توفي فيه نجل الملك عبد العزيز البكر، تركي.

وبعد، لولا هذه المحن هل كان سيتطور الطب؟ المسألة كانت سباقا بين المرض والطب. ربما لولا كل هذا - على قبحه وقدريته - كان عدد سكان العالم ضعف ما هم عليه الآن. ذعر الإنسان من الأوبئة العامة قديم، بسبب ذاكرة البشرية، لكن الحياة تمضي موّارة فوّارة.. وليحمِ الله الإنسانية.