هل أمن أميركا وسلامتها يعنيان ضرورة تنحية المعايير الأخلاقية؟

TT

كتبت، قبل سبع سنوات، مقالا في هذه الصحيفة («واشنطن بوست») بشأن دوري في تنفيذ الاستجوابات القسرية، في أماكن مثل سجن أبو غريب والفلوجة (بعنوان «كابوس محقق في العراق» بتاريخ 9/ 2/ 2007). وخلصت في مقالي إلى الإشارة إلى أن قصة أبو غريب والتحقيقات القسرية لم تنتهِ، وأننا لم نفتح الكتاب بعد.

لم يُفتَح الكتاب على الإطلاق، وبدلا من ذلك قضى بلدنا السنوات السبع التالية في الإنكار والتجاهل والدفاع عن استخدام ممارسات استجواب تلاعبت وانتهكت مشاعر وعقل وصحة آلاف المعتقلين الأجانب.

وقد شهدت الأسابيع الأخيرة صدور تقارير بشأن النزاع بين لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ومسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية المسؤولين عن التقرير الداخلي بشأن الاستجواب. وبدلا من أن يتركز النقاش على الفاعلية والأخلاقية والنتائج، تحدث البعض عن الضرورة والفاعلية والسياق.

وقد هيمن على الجدال المجتمعي حول عمليات الاستجواب نقاش يركز على تحليل الفائدة والتكاليف، مثل: هل أمن وسلامة الولايات المتحدة يعني ضرورة تنحية المعايير الأخلاقية؟ وهل سلامة الأميركيين أكثر أهمية من القوانين الأخلاقية؟ وهل نعلي من قيمة أجسادنا على قيمة أرواحنا؟

أنا أتعاطف مع الرجال والنساء الذين وجدوا أنفسهم في الخطوط الأمامية يواجهون هذه الأسئلة الصعبة، لأنهم يشعرون بالعزلة والقهر. فقد لقيت حربهم تجاهلا من جانب بعض الأميركيين، بينما رفض عدد أكبر الوقوف إلى جانبهم. لكن هؤلاء الأميركيين طالبوا في الوقت ذاته، من العام ذاته، بمعيار مستحيل تقريبا من النجاح. تلك المطالب والتوقعات باستمرار النجاح نقلها القادة المدنيون والعسكريون الذين ضغطوا على المرؤوسين لتحقيق نتائج في بيئات أكثر تحديا.

بيد أن البعض منا ممن كانت لديه الجرأة للاستمرار في أداء المهمة، ظل مسؤولا عن نتيجة أفعالنا. وعندما تفشل هذه الأفعال في الوفاء بالمعايير القانونية والأخلاقية، فلا يمكننا الاختباء من العواقب. فحتى أشد مؤيدي ممارسات الاستجواب العدوانية يعترفون بطبيعتها الخبيثة، يقولون إن هذه التكتيكات شر لا بد منه، أو يجب أن تُمارَس في الظل، أو تنتمي إلى الظلام. وهم يقاتلون للحفاظ عليها في طي الكتمان، فيبدون السرية، ويتهربون من ذكرها، وينكرون وجودها، لكنهم لا يتوقفون عن القيام بها. ولكن الحديث عن إخفاقاتنا هو السبيل الوحيد للمضي قدما.

وعندما عدت من العراق، أواخر صيف عام 2005، كنت حينها أحس بغياب الضمير، وانهيار القواعد الأخلاقية لبلادي. فاستقلت من منصبي في وكالة الأمن القومي في العام التالي، وعدت إلى ولاية بنسلفانيا، في محاولة للتصدي لعواقب أفعالي. وعلى الرغم من انقضاء ثماني سنوات، لا يزال الصراع قائما.

وقد قضيت الكثير من الوقت في البحث عن سبيل للمغفرة. درست في جامعة برينستون الدينية، وحضرت مؤتمرات حول التعذيب، ونشرت مقالات حول مشاركتي في الاستجواب، وصادقت حاخاما أعانني على التوبة. وقدم الحاخام لي كتابات موسى بن ميمون، الفيلسوف اليهودي الذي عاش في القرون الوسطى، الذي كتب عن أهمية الدقة في عملية الاعتراف، فكل ما هو دون الكفر يمكن غفرانه، ودعوني أكن محددا.

في أبريل (نيسان) 2004، كنت أعمل في منشأة احتجاز في الفلوجة. داخل مركز الاحتجاز كان مكتبي، داخل المكتب كان هناك كرسي صغير مصنوع من الخشب طوله قدمان ومقعد آخر. كانت الأرجل الخلفية أطول من الأرجل الأمامية. وكان المقعد والكرسي ينحنيان إلى الأمام. واستخدمت العلّاقات البلاستيكية لإجبار المعتقل على الجلوس في وضع القرفصاء، الذي لا يمكن أن يتعافى منه. فهي تسبب فشل عضلات الفخذ، وأوتار الركبة والساقين. إنه التعذيب.

كانت المعتقلون في الفلوجة أكثر مجموعة من الرجال قسوة رأيتهم من قبل، فقد ارتكب الكثيرون منهم جرائم القتل ببشاعة. ومن السهل الاعتقاد بأنهم يستحقون ما هو أسوأ بكثير مما قمنا به.

بيد أن تلك التكتيكات لوثت نفسي بطريقة لا رجعة فيها، وربما لذلك ما يبرره. ولكن مع استمرار أعضاء حكومتنا ووكالاتها في الدفاع عن استخدامنا للتعذيب، ونظرا لاستمرار الشعب الأميركي في تجاهل واجبهم في الكشف عن هذا الفصل الدنيء، فإن وصمة العار ليست لي وحدي.

ويصر جوزيه رودريغز المدير الأسبق للعمليات السرية في وكالة الاستخبارات المركزية على أن من أوصوا بضرورة استخدام وسائل استجواب أكثر رقة لم يشعروا بعبء حماية أرواح بريئة، وقد شعرت بهذا العبء. وعندما حان الوقت، لم أجرِ الاستجواب بصورة رقيقة. إنني أتعامل مع أعبائي الآن، فزواجي يشرف على الانهيار، ومسؤوليتي كأب في تراجع. وابني يعاني، ولم أعد الشخص الذي كنت عليه من قبل. إنني أحاول التوبة، وأعمل كي أعترف، وآمل في الخلاص.

ونحن كدولة ينبغي أن نعرف ما حدث، نحن بحاجة إلى الاعتراف، نحن بحاجة لأن نكون أكثر دقة وأن نفتح الكتاب.

* خدم في الجيش الأميركي في الفترة بين عامي 1995 و2000 كمترجم للعربية وعمل في العراق محققا متعاقدا في بداية عام 2004

* خدمة «واشنطن بوست»