«الناس اللي في السما الثامنة»

TT

قدمت «ولا العفاريت الزرق» على مسرح الجمهورية في صيف 1965 من إخراج جلال الشرقاوي، وبطولة محمد عوض، ونجوى فؤاد. لا أعتقد أن العرض لفت أنظار النقاد إلى أن مؤلفا جديدا ظهر على الساحة، أو لعلهم لم يجدوا في العرض شيئا يلفت الأنظار. في الأيام نفسها أعلن مسرح الحكيم الذي كان يقدم عروضه على مسرح محمد فريد، عن مسابقة مسرحية أخرى، تقدمت إليها على الفور بمسرحية «الناس اللي في السما الثامنة»، وفازت بالجائزة الأولى وقدرها مائة جنيه، لم أحصل عليها بعد أن حدثت تغييرات مفاجئة في الإدارة المشرفة على المسارح؛ ألغت تبعيتها لوزارة الإعلام، وجعلتها تابعة لوزارة الثقافة. هكذا أصبحت فرق مسرح التلفزيون جميعها تحت إشراف «هيئة المسرح» التابعة لوزارة الثقافة. وبدافع من الملل، وربما الرغبة الملحة في التغيير، تغير اسم «هيئة المسرح» إلى «البيت الفني للمسرح»، وهو اسمها الحالي.

كانت إدارة مسرح الحكيم في ذلك الوقت تصدر مجلة شهرية عن المسرح، وأشهد أن هذه المجلة بما كانت تنشره عن النشاط المسرحي في العالم كله، كانت تغذي احتياجا حقيقيا عند كل المسرحيين الهواة والمحترفين. هكذا ظهرت المسرحية في الأسواق وسعرها على الغلاف ثلاثة قروش. اتصل بي المشرف على فرقة دمنهور المسرحية، وكانت من فرق «الثقافة الجماهيرية» الناجحة، خاصة أن محافظ البحيرة السيد وجيه أباظة كان يدعمها بقوة وكرم. قابلني المشرف واشترى مني المسرحية وتعاقد معي على مبلغ مائتي جنيه. ها أنا ذا أمشي في طريق الفن والفلوس.

ليلة العرض في دمنهور، ارتديت بدلة سهرة سوداء أنيقة وغالية، ومشيت في الشارع الرئيس وأنا أقاوم رغبة قوية في الصياح: انتبهوا أيها السادة.. هذه لحظات تاريخية.. هذا الشاب الذي يمشي بينكم الآن هو المؤلف فلان الذي تقدم مسرحيته الليلة على مسرحكم.

وفي تلك الليلة وبعد أن شاهدت العرض، نزلت من عليائي، وخرجت من دمنهور وأنا أقول لنفسي: «يا رب ما حد يعرف إني أنا مؤلف هذه المسرحية الرديئة التي عرضت على المسرح».. نعم، كان العرض رديئا بالفعل ما عدا بعض المشاهد التي أمتعت الجمهور لدقائق. استولى عليّ الإحساس باليأس والفشل، وبرأت المخرج من كل أخطاء العرض، فأنا أميل دائما إلى تحميل نفسي مسؤولية كل ما يحدث لي من سوء. قلت لنفسي.. لو أن النص كان قويا بما فيه الكفاية لعجز أي مخلوق عن إفساده. استرحت لهذا التفسير.. يجب ألا أكتب مسرحا بعد ذلك.. لا داعي لأن أشهد مرة أخرى مثل تلك الليلة الحزينة. قدمتها بعد ذلك بشهور فرقة كفر الشيخ المسرحية، فنجحت نجاحا ساحقا، أحصيت 42 مقالة في كل الجرائد والمجلات تثني على جمال العرض، وعلى ذلك المؤلف الجديد الذي لم يحضر حفل الافتتاح. الواقع أنني كنت مرعوبا.. لقد أفلتُّ من دمنهور، ماذا يمكن أن يحدث لي في كفر الشيخ؟