تهديد بالانتحار

TT

هل صدقتكم التهديد الذي سبق وأن أعلنه أحد الملحنين في أحد البرامج الفضائية، مؤكدا أنه في حالة عدم نجاح المشير السيسي في انتخابات الرئاسة فإنه سوف ينتحر، لم يحدد الأسلوب ولكنه ترك المشاهد يضع السيناريو كما يحلو له، هل يلجأ مثلا لابتلاع كمية ضخمة من الحبوب المنومة، أم يلقي بنفسه من الطابق العاشر رغم أنه في الحقيقة يقطن في شقة بالطابق الأول!!.

وبعيدا عن مخالفة هذا التهديد لكل الشرائع السماوية، فإن الملحن بالطبع يعلم أن السيسي هو الأوفر حظا في اعتلاء الكرسي وبلا منافسة حقيقية، وأن وصوله لحكم مصر بات فقط ينتظر بضعة أسابيع موعد أجراء الانتخابات الرئاسية، وهكذا يكسب الرهان وينقذ حياته محققا نقطة لصالحه لدى العهد القادم؛ ولكن السؤال ماذا لو، أقصد بالطبع كما يقول أولاد البلد «لو جاءت الطوبة في المعطوبة»، ولم يفز السيسي لسبب أو لآخر، هل ينفذ وعده أمام الملايين؟ بالتأكيد تعرفون الإجابة.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يقال فيها مثل هذا الكلام، فقد سبق أثناء ثورة 25 يناير وقبل أن تُجبر الجماهير الغاضبة مبارك على الرحيل، أن توجه مطرب برسالة عبر التلفزيون الرسمي المصري، مهددا أيضا بالانتحار إذا لم يعد الشباب من ميدان التحرير والميادين الأخرى، منذرا معجبيه بأنهم إذا استمروا في الاعتصام، فليس أمامه في هذه الحالة سوى تنفيذ وعده، وبعدها امتلأ الفيس بوك بسخرية من صاحب التهديد نفسه، الذي لم يكلف خاطره حتى بالاعتذار عن تورطه في وعد الكل يعلم أنه لن يجرؤ على الالتزام به!!.

أغلب الفنانين والمثقفين في مصر أعلنوا أنهم يؤيدون السيسي، وهذا مفهوم بالطبع ولا غبار عليه، وبعضهم صار يردد: «حمدين صديقي والسيسي رئيسي»، إلا أن الأمر لم يخل كالعادة من تجاوزات هنا أوهناك، نلمح فيها البعض وهو يحاول «الشعبطة».

صحيح أننا مثلا في زمن جمال عبد الناصر كنا نتابع ما هو أكثر، وانتقلنا إلى زمن السادات ومبارك، واستمرت نفس حالة النفاق المعروفة، إلا أننا بعد ثورتين وتقديم رئيسين للمحاكمة، كان ينبغي أن نرى خطابا مختلفا، وهو ما لم يحدث مع الأسف. مثلا قبل عدة أسابيع رأينا هذا الشيخ الذي يطالب الزوج بتطليق امرأته لو كانت لها ميول اخوانية، وهو ما أيدته بعده أستاذة في فقه الشريعة، التي قالت إن هذا واجب على الزوج، وذلك قبل أن يتدخل الأزهر الشريف ببيان مباشر، ويوقف مثل هذه الآراء التي تتناقض مع صحيح الدين.

جزء كبير في الوسطين الفني والثقافي يستنسخون أيام مبارك بعد أن تصورنا أننا قفزنا فوقها.

لا يعني هذا بالطبع أن يختار الفنانون والمثقفون الوقوف دائما على الجانب الآخر من السلطة الحالية أو القادمة، ولكن كل شيء في الدنيا له أصوله، وينبغي الحفاظ على تقنين الجرعة حتى في التأييد، وإلا أصبح ينطبق علينا قول الشاعر بشارة الخوري:

«ومن الحب ما قتل»، التهديد بالانتحار للتعبير عن الحب نفاق واضح، لا يليق سياسيا ولا يجوز شرعيا!!.