مملكة البحرين: مشكلة طائفيين لا طائفية

TT

إن تحديد المفاهيم والمصطلحات مدخل مهم لفهم أي مشكلة وحلها قبل إصدار الأحكام عليها، ومنها على سبيل المثال من يقولون بأن هناك مشكلة طائفية في البحرين، ومن يقولون بذلك فإن لديهم خلطا بين المفاهيم فهناك فرق بين مفهومي الطائفية والطائفيين، وبناء عليه فلا توجد طائفية في البحرين بل يوجد طائفيون، فما من مجتمع في العالم إلا وتوجد فيه طوائف ومذاهب وأديان وأحزاب سياسية. بيد أن الطائفية شيء، والطائفيين مفهوم آخر، فالطائفي هو ذلك الشخص المتعصب لطائفته والمنغلق على نفسه في بيئته الخاصة، ويعلن جهارا أنه ضد التداخل والاندماج مع الطوائف الأخرى ويمنع تعزيز المصالح المشتركة، ويعتبر ذلك ذنبا دينيا وسياسيا، وبهذا المفهوم هو الذي يوجد المشكلة.

وفي البحرين، تبرز الطائفية كمشكلة سياسية وليست دينية، لأنها بلد صغير المساحة، وقليلة السكان بالنسبة لصغر المساحة، ومن هنا يجد الطائفيون ضالتهم في بث روح الكراهية والحقد الطائفي بين الناس لأغراض محددة، يريدون الوصول إليها بحيث تتحول الطائفية إلى مشكلة سياسية.

الدولة في مملكة البحرين تقف ضد الطائفية، ولذا تنص المادة (4) من دستور مملكة البحرين (200) على أن «العدل أساس الحكم، وتكافؤ الفرص بين المواطنين، والناس سواسية، ولا تميز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».

ومن يرجع إلى تاريخ البحرين في الخمسينات من القرن الماضي، يجد أن مملكة البحرين شهدت حركة ثقافية وأدبية تدل على وحدة الوطن، ولقد نشطت هذه الحركة الثقافية على أيدي مفكرين وأدباء من طائفتي السنة والشيعة الذين كانوا وراء إصدار الصحف المحلية، مثل عبد الله الزايد، ومحمود المردي، وحسن الجشي وعبد الله المدني، وغيرهم من المفكرين الذين ينتمون إلى الطائفتين.

ومن المعروف أنه توافرت في مملكة البحرين حرية دينية ومذهبية وسياسية، فكانت هناك حرية لأصحاب المذاهب في ممارسة طقوسهم في مناسباتهم الدينية، وكانت الدولة تنظر إلى ذلك على أنه حق من حقوقهم التي نص عليها الدستور، ولم يكن هناك تميز في الخدمات الإسكانية والتعليمية والبعثات العلمية سواء للداخل أو الخارج، وكذلك الخدمات الصحية وتشييد الطرق وغيرها من الخدمات العامة التي تقدمها الدولة للأفراد.

وكانت مملكة البحرين عبر التاريخ أنموذجا للمجتمع المدني بسبب ظهور التعليم الرسمي منذ فترة طويلة عام 1919. وموقع البحرين الجغرافي وكونها جزيرة تقع في وسط الخليج العربي، جعلها منطقة جذب لكثير من الجنسيات والطوائف من مختلف البلدان كمنطقة ترانزيت لدول الخليج ومحطة للنشاط التجاري، كل ذلك فرض أن تكون هذه الجزيرة مثالا للتسامح بمختلف أشكاله ونبذ الكراهية لكل من يعيش عليها.

ولكن السؤال المهم الذي يفرض نفسه هو: لماذا تأججت روح الطائفية السياسية في السنوات الأخيرة بالبحرين، التي قادت البلاد إلى أزمة سياسية؟

الواقع أن المستجدات والأحداث السياسية التي مرت بها المنطقة، مثل ما سمي ثورات الربيع العربي، وما حدث في العراق - هي التي أدت إلى تأجيج الطائفية في البلاد. إضافة إلى أن المشروع الإصلاحي الذي وفر مناخا للحرية والديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي، استغل من قبل البعض ممن لديهم أهداف سياسية وأجندات ترتبط بالخارج، وخاصة تلك التي لها أطماع في البحرين، حيث وجدت المناخ السياسي في البحرين سانحا لها لتنفيذ أجندتها، رغم أنه في ظل المشروع الإصلاحي هناك من القنوات الرسمية الديمقراطية مثل «المجلس الوطني»، ما يسمح بأن يطالب من لهم حقوق بحقوقهم، ويقومون بالمسيرات والمظاهرات السلمية التي تجيزها القوانين كبقية الدول الديمقراطية الأخرى.

ولقد أعطى المشروع الإصلاحي 2009 الكثير من الحقوق التي تكفلها الدولة للمواطن من دون اللجوء إلى العنف أو إلى أي طريق آخر. وفي ظل المشروع الإصلاحي، عاد كل المبعدين إلى الوطن، وتم إسقاط الأحكام عن كل من قاموا به في أحداث التسعينات من زعزعة للأمن القومي لمملكة البحرين، وتم إرجاعهم إلى وظائفهم بأوامر ملكية، ومارسوا هؤلاء حقوقهم السياسية، وتم تشكيل الجمعيات السياسية التي تمثلهم، ومنهم من وصلوا كنواب إلى البرلمان... أبعد كل هذا يكون رد الفعل منهم إثارة العنف وتسييس الدين والمذهب والوصول بالبلاد لمرحلة، كادت الأوضاع في مملكة البحرين تصل إلى الهاوية في أحداث 14-2-2011، وشل حركة البلاد! وبعد ذلك يدعون المظلومية وهم من قاموا بالقتل وإحراق الشوارع في ظل ضبط النفس الذي كانت تمارسه الدولة، ولا تزال البحرين كدولة ومواطنين شرفاء يعانون كل ما قام به من تسمي نفسها «المعارضة».

البحرين بحاجة إلى تلاقي النخب السياسية الشيعية والسنية، وخاصة تلك التي تمثل الشارع البحريني مثل «الوفاق» و«تجمع الوحدة الوطنية»؛ وكذلك تلاقٍ على الصعيد الديني بين العلماء من الطائفتين. البحرين ليست بها طائفية، ولكن بها طائفيون اتخذوا من الطائفية حصان طروادة لتحقيق مطالبهم على حساب شعب البحرين، ونقول لهم جميعا بلا استثناء رفقا بشعب البحرين!

* أكاديمي وكاتب بحريني