بهلال رمضان صرت رجلا!

TT

عجيب أمر الأمهات، يعيش الابن ويكبر ويصبح أبا وجدا، ولكنه عندهن يبقى ذلك الطفل الرضيع، يدخل في الستينات ويعطس، فتنهر به: «كم مرة قلت لك لا تقعد قدام الشباك وأنت عرقان». ألا جزاهن الله خيرا على كل ما فعلن وقلن من نافع أو ضار.

لأشهر طويلة، ظلت والدتي تجاهد وتلقي بي من مأزق لمأزق لتثبت للناس أنني ما زلت طفلها الصغير، وأن الحَب الذي ظهر على وجهي مجرد حرارة ناتجة من أكل التمر الزهدي، ولا علاقة لها بالشباب أو حب الشباب.

«يا عيني خطيتكم برقبتي يوم القيامة. ابني وأعرفه. ذاك اليوم أجا للدنيا. بعد شهرين من رجع الملك فيصل، الله يرحمه، من فرنسا وجاب لنا الاستقلال. بعد كيف سويتوا رجّال وبالغ وتتسترون منه؟»

ولا أخفي على القارئ أنني شعرت بكثير من الاعتزاز بالربط الذي جاءت به أمي بين طفولتي، وقبول بلادي في عصبة الأمم كدولة. كلاهما طفولتان. ولا تقلان في الأهمية عن بعضهما البعض، على الأقل بالنسبة لي.

«والله العظيم ألا تنزعين العباية يا أم ساجدة وتستريحين. الخطية برقبتي. وانتو يا بنات، ساجدة وماجدة وبلقيس، عيوني روحوا العبوا ويا أخوكم خالد. هذا مثل أخوكم الصغير».

كثيرا ما يتساءل القوم عن سر النظرة المغمضة الساقطة نحو الأرض، والظهر المحدودب والرأس المطأطئ إلى الأسفل مما يلاحظونه دائما في وقفتي ومشيتي المعتادة. هذا هو السر. لساعات وساعات كنت أقف وأنظر إلى الأرض صوب قدمي، منكمشا على نفسي، لا أدري أين أتوجه، ووالدتي وأختي تجادلان الناس في عمري وطولي وعرضي وطبيعة الدمامل على وجهي، ونوعية الشعرات النابتة على شفتي وأنا واقف أنتظر القرار، أأجلس وأشاركهن الكعك والشربات، أم أخرج وأمري لله؟

ولكن الله رءوف بالعباد. جاء أخيرا القرار الذي ما بعده قرار، وجاء مع هلال رمضان الشريف. رحت أزف الخبر لوالدي: «لقد ثبت الهلال». نظر في وجهي وقال: «اسمع بني. أنت كل سنة تصوم من دون فرض. صيام تمرين ولعب ولهو. لكن هالرمضان صومك فرض. أنت الآن رجّال. وأول واجبات الرجولة الصوم والصلاة. عاد شوف دربك وارضي ربك».

خرجت من بين يديه وكأن حملا بثقل الجبال قد زال من على كتفي. من الآن وصاعدا، أنا رجل. لن أطرق بعد اليوم أبواب الحريم، ولا أن أعرف الحريم ولا أقف أمامهن للامتحان والقياس. سأملأ وجهي بحب الشباب بقدر ما يعجبني، وأطيل لحيتي وشواربي على هواي.

وأسوق كل هذا الكلام لمن استحق عليه الآن صيام رمضان المبارك من أولادنا وبناتنا. بارك الله فيكم وبفتوتكم وتقبل منكم صيامكم وصلاتكم.