«حي على الدفاع»

TT

لا بد أنه أصبح واضحا لك أنني أهرب إلى الماضي البعيد بحثا عن ملاذ آمن أحتمي به لبعض الوقت من عنف الحاضر وتخلفه. غير أن صيحة الحاضر «حي على الدفاع» قادرة دائما على انتزاعي من الماضي ووضعي في الحاضر فوق الأسوار في موقع ونوبة حراستي لأواصل عملي كأحد حراس الحضارة، وهو ما أحب أو أتمنى أن أكونه.

لقد حدثتك من قبل عما أؤمن به من أن قوانين الكون واحدة وموحدة، وبذلك يكون ما يجري داخل الجسم البشري وما يتعرض له من أمراض هو نفسه ما يحدث داخل هذا الكون الكبير. هكذا أرى أن حركات التطرف الدينية تشبه كل الشبه الأورام السرطانية التي استولت على أجزاء من العالم العربي، وتعمل بالتأكيد طبقا لآليات التفكير عند المتطرف على التمدد خارج المناطق المصابة والتسرب إلى أجزاء أخرى في الوطن العربي. وفي مواجهة هذه الأورام الخبيثة لا يسأل الطبيب نفسه عن الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه الأورام، هو يترك ذلك للعلماء الباحثين، أما هو فهو يفكر في شيء واحد، أن يحاصر المرض في مكانه لكي يمنعه من التسرب أو التمدد إلى الأجزاء السليمة، وأن يعمل في الوقت ذاته على تقوية الجسم لكي يتمكن من الدفاع عن نفسه.

مهمتنا في مواجهة التطرف إذن، دفاعية بحتة، وبالمناسبة، يرى كلاوتزفتز أبو الاستراتيجية أن عبقرية الإنسان تظهر بوضوح في الحرب الدفاعية وليس في عمليات الهجوم. الصيحة الآن في الميدان هي «حي على الدفاع»، وهو ما يتطلب على الأقل درجة عليا من الخيال السياسي نعرف به - في غياب معلومات مؤكدة - ماذا ستكون وأين ستكون ضربة العدو المقبلة. وفي كل الأحوال لا بد من حراسة قوية وحقيقية للمواقع وليس تسديد الخانات وهو ما برعنا فيه زمنا طويلا.

أن تصل هذه الأورام الخبيثة إلى أسوار قصر الاتحادية وتزرع قنبلتين هناك، فهذا معناه أن الحراسة ضعيفة، وأنه لم يتم توعية الحراس بشكل كافٍ. أما حكاية أن تنفجر هذه القنابل وتقتل الضباط المكلفين الكشف عنها، فأنا أطلب من الجميع استيعاب درس إسرائيل في هذه النقطة بالتحديد، يستخدمون هناك «ناقوسا» كبيرا من النحاس السميك يشبه نواقيس الكاتدرائيات الكبيرة، هذا الناقوس مركب على مركبة صغيرة مزودة برافعة، عند الكشف عن لفافة مشكوك في أمرها لا يقترب منها أحد، بل يتم تحريك هذا الناقوس في اتجاهها لكي ينزل عليه لكي يعزلها عزلا كاملا ثم يقوم بتفجيرها. لا بد أن صاحب هذا الاختراع قد اكتشف أن هذا النوع العشوائي من القنابل قابل للانفجار في أي لحظة، ولذلك لا بد من تفجيرها بمعزل عن البشر.

الجديد في المنطقة هو أن حماس، التي تحكم قطاع غزة، وهي أيضا الفرع الفلسطيني من جماعة الإخوان المدحورة، ليست مسؤولة عما يحدث في سيناء من أعمال إرهاب، وعندما تلقي السلطات الأمنية المصرية القبض على ستة عشر شخصا من عناصر «داعش»، تسللوا إلى سيناء عبر الأنفاق، فالمراد لنا أن نفهم أنهم نزلوا من السماء مباشرة إلى هذه الأنفاق في غزة، وأن حماس لا تعرف عنهم شيئا. يا للبراءة.. لا تسمع أو تقرأ أي مصدر يقول إن حماس لها صلة بما يحدث في سيناء وداخل الوادي.. يا للبراءة. ويا لهذه الأنفاق التي يبدو أن لا نهاية لها، وكان هناك من يريد أن يضمن وسيلة مواصلات آمنة لعصابات الإرهاب ليدخلوا سيناء والوادي على راحتهم.