مسلسلات ديمقراطية

TT

في واحد من المسلسلات المصرية المعروضة، حاليا، يشعر أحد الوزراء الفاسدين بالقلق على منصبه، فيفكر في تجهيز البدلة الرياضية البيضاء. ولا يحتاج المشاهد إلى الفهلوة لكي يربط بين عبارة الوزير وثياب الرئيس السابق حسني مبارك في المحكمة.

كلما رأيته ممدا على السرير المتحرك في قفص الاتهام، والنظارة السوداء تحجب عينيه، تمنيت لو كانت لي موهبة الممثل ميل غيبسون في ذلك الفيلم الذي يستطيع فيه أن يقرأ الأفكار في الرؤوس. ماذا يدور في رأس رجل انتقل من كرسي الحكم إلى السجن؟ كنت قد قرأت مذكرات الزعيم الهندي نهرو «من السجن إلى الرئاسة» وتصورت أنه طريق ذو اتجاه واحد لا غير، ذهاب من دون إياب. إن الرؤساء الذين نعرف لا يخرجون من القصر إلا إلى القبر... ثم ذهبت تصوراتي مع الريح ومحاكمة صدام حسين.

كان الرئيس العراقي صاحب فكرة «ممارسة المسؤولية من موقع أدنى». وهكذا، شاهدنا مديرة المدرسة تتحول، لفترة من الزمن، إلى معلمة، والوزير ينزل إلى درجة مدير عام لكي يكون على تماس حقيقي مع متطلبات منصبه. وخلال ذلك، يكون المدير العام يمارس عمل موظف في الحسابات، أو في قسم الصيانة، والمحاسب يدور باحثا عن موقع أدنى في السلم الوظيفي. إنها عملية إجرائية مؤقتة ولا تشبه الخروج من الحكم إلى المحكمة.

كيف يرضى الزعيم بأن يعامل معاملة المواطن العادي؟ لقد سخرت جيانغ كينغ، زوجة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، من قضاة محكمتها وتطلعت إليهم بازدراء وهم يصدرون عليها حكما بالإعدام بتهمة القيام بنشاطات معادية للشيوعية. ثم جرى تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد. لكن الزوجة التي اعتادت أن تأمر وتطاع، وأن تمحو الخصوم عن وجه الأرض، لم تحتمل المهانة وشنقت نفسها في دورة المياه ودُفنت تحت اسم مستعار. هل كانوا يخافون أن تتحول إلى ولية يزورها الأنصار؟

زوجة تشاوتشيسكو، أيضا، لم تتقبل مواجهة قضاة المحكمة الشعبية المرتجلة وهددتهم بالعقاب. كيف يمكن للسيدة الأولى الآمرة الناهية أن تكون، بين ليلة وضحاها، مجرد متهمة؟ لكن رصاص الإعدام ثقب صدرها وصدر زوجها الزعيم الروماني قبل أن يستوعبا أن هتاف الجماهير خرج على النغمة المعتادة.

برلسكوني، المتهم بالتصابي، رفض المحكمة وأطلق قولة شهيرة: «القضاة هم سرطان الديمقراطية». أما ساركوزي فقد طلب أن يظهر على شاشة التلفزيون، في نشرة أخبار القناة الأولى، لكي يفضح قضاته على رؤوس الأشهاد ويتهمهم بالانحياز المسبق ضده. وكان مما قاله إنهم «نقعوه» ست ساعات في التوقيف قبل تحويله إلى قضاة التحقيق. والقضاة، في قضية الرئيس الفرنسي السابق، هم بالأحرى قاضيتان شابتان لا تهابان في الحق لومة لائم. لكن الرئيس المتهم بالفساد واستخدام النفوذ يقول إنهما تضمران له العداء وإن إحداهما تنتمي إلى نقابة يسارية، الأمر الذي يتنافى والحياد المفترض لرجال العدالة، ونسائها.

وفي فرنسا، يفطر الناس على «الكرواسون» واستطلاعات الرأي. وكان موضوع الاستطلاع الأخير: «هل يُعامل الرئيس أمام القضاء مثل المواطن العادي؟». وأجابت نسبة 63 في المائة بالإيجاب. وهذا معناه أن يصبر على الساعات الطوال للاعتقال قبل إحالته إلى القاضي، وأن يحتمل المعاملة الصارمة من أفراد الشرطة الذين كان وزيرهم في الداخلية، قبل حفنة من السنوات.

قد يدخل الرؤساء، في غفلة، أو في انتباهه من الزمن، إلى السجون. لكنها ستكون من نوع النجوم الخمس. وسيسمح لهم بترك لباس السجن وارتداء البدلة الرياضية، ولن يتشاركوا في القصعة، بل سيأتيهم الطعام من بيوتهم. وفيما يخص استجواب ساركوزي، فإن شيراك كان مطلوبا للعدالة، أيضا، ولم يحدث أن دخل رئيس إلى السجن. لذلك، فإن البروفسور جاك دو سان فيكتور، المتخصص في «تاريخ الأفكار السياسية» بجامعة باريس، لا يكشف عن سر حين يكتب أن التقاليد الجمهورية، منذ الثورة الفرنسية، سمحت للعدالة بالخضوع للسياسة. يعني المحاكمات تمثيليات ومسلسلات ديمقراطية، إذ يؤكد بعض المحللين أن ملاحقة ساركوزي ستخدمه في عودته المرتقبة، نجما على المسرح.