يرجمها في سوريا.. يصفعها في لبنان

TT

يتزوجها طفلة في اليمن، يقذفها في مصر، يسحلها في تركيا، يرش وجهها بالأسيد في إيران، وفي السعودية صاح الفهيم أن المرأة كالدار المستأجرة إذا حصل فيها عطب، أي مرضت، ليس على المستأجر إصلاحه!

هذا هو حال النساء! يا إلهي ما هذا العالم المريع الذي نعيش فيه! إنه عالم من المجانين.

أستميح السيدات الفاضلات أن أقفز على هذه المآسي وأقول إنها ليست المشكلة، بل المشكلة أننا صدقنا لجهلنا ادعاء أن مثل هذه الممارسات لا تصدر إلا من فئة من الرجال يفتقرون للتعليم، أو منغلقين في مجتمعاتهم القروية النائية، بعيدا عن الاحتكاك بجسد العولمة الضخم، وبعيدا عن قيم القرن الواحد والعشرين ومفاهيمه.

هذا الادعاء كذب ومؤامرة على النساء، اللواتي صدقن أن فقر التعليم هو مشكلة الرجل الذي يعنفها، وأن الانفتاح على العالم الحر، العالم الحقيقي، سيحيله إلى رجل مهذب، وسيحتل احترامه لها، وقناعته بكينونتها كشريك له، عمق قلبه. لم يحصل ذلك فيما نرى ونسمع، عمقه الثقافي ظل مسكونا بالفوقية والتعالي عن نصفه الآخر، ومن يتعالى عن نصفه سيعيش أبدا معوجا.

اتضح لنا أن هناك من الرجال الأكثر تعليما وثقافة بل ومن كبار موظفي الدولة ورجال الأعمال، لا يفرقون عن البسطاء المؤمنين بأن المرأة إنسان درجة ثانية، الاختلاف الوحيد أن هؤلاء بارعون في التمثيل لحفظ صورتهم العامة أمام الناس، يملأون الإعلام بالكلام المنمق عن حقوق المرأة، كذبا وزورا، وأن لو كان لهم من الأمر شيء لفعلوا وعملوا. يطالب بمنحها حقوقا سياسية واجتماعية وهو في الحقيقة لا يراها سوى جارية يفرض عليها أفكاره وقناعاته. هذه الأقنعة ينزعونها في الخفاء لأنها تثقل عليهم، الكذب دائمأ قصة ثقيلة. أو أنهم يفشلون عند أول امتحان في العلن.

ما هو الوازع الذي قد يمنع الرجل من إيذاء امرأة؟ الخشية من الله؟ الحياء من الناس؟ القانون؟ النفس المهذبة التي تستعيب هذا السلوك؟ شخصيا كنت أعوّل على القانون، كنت سأركض لأستنهض همم المشرعين لسن قوانين تفرض احترام المرأة، لولا أن عاجلني النائب اللبناني نقولا فتوش وصفع موظفة في قصر العدل لأنها استمهلته قليلا في معاملته! والأسوأ من الصفعة العلنية أنها أكرهت على الاعتذار منه اتقاء لأي تداعيات، وانتهى الموضوع عند هذا الحد وعاد النائب متحدثا في البرلمان باسم الشعب الذي تمثل النساء نصفه!

ومن أعاجيب قمع المرأة من قبل الساسة تنفيذ حكم الإعدام في الإيرانية «ريحانة» لأنها قتلت ضابطا أراد اغتصابها، حيث للضباط في إيران حقوق تفوق حقوق أي مواطن فما بالك بالمرأة، فقوات الباسيج بدأوا منذ أسابيع بمعاقبة الفتاة التي لا تلتزم بالزي «الشادور» بسكب الحمض على وجهها!

و«داعش» قررت رجم امرأة حتى الموت وفقا لشرعهم الخاص، لو كانوا ينظرون إلى تطبيق حدود الله لقرأوا سورة النور التي أضاءت لنا طريق التطبيق الصحيح للأحكام، إنما «داعش» تجاوزت حدود النقد والملامة، فهو فصيل إرهابي لا يؤخذ منه ويرد، لأنه ينكر حقوق الإنسان بالإجمال امرأة كان أو طفلا أو شيخا أو شابا. بالنهاية لا فرق بين «داعش» والباسيج، كما لا فرق بين النائب اللبناني والضابط التركي الذي سحل الفتاة التركية في إسطنبول حتى تعرت، والأكيد أنه لولا أن في السعودية قيادة عاقلة لنفذ المتطرفون أجندتهم ضد النساء هناك، فمن يراها دارا مستأجرة يستغلها لمنفعته لن يحترم عقلها لأنه في نظره مثل البلكونة، ولن يراعي شعورها لأنه كالمطبخ، مجرد أجزاء من الدار، ومثله لن يفهم أن المرأة «سكن» للرجل، والسكن هنا من «السكينة» وليس السكنى.

هناك مؤامرة أخرى انطلت على النساء وهي قولهم أن المرأة هي الوحيدة القادرة على الحصول على حقوقها. هذا هراء، كيف للسجين المكبل أن يذيب الحديد ويتحرر؟ كل مكتسبات المرأة في محيطنا هي منحة من رجل حكيم شجاع. وعلى المرأة أن تعوّل وتنتظر وتدعو الله أن يكثر من الحكماء الشجعان، الذين يدفعون بها للمقدمة ويقدمون لها فرص المشاركة، حتى قيل إن سمعت عن امرأة تتوجه للمقدمة فابحث عن الرجل الذي مهد لها الطريق. كيف تعلمت المرأة السعودية في بيئة منغلقة؟ كيف دخلت أبواب مجلس الشورى؟ ما الذي يجعل المرأة الإماراتية تشعر بالثقة والتكافؤ بجانب الرجل؟ ما الذي فعله بورقيبة للتونسيات ولا يزلن يتمتعن بمزاياه حتى اليوم؟ هذا هو الواقع بعيدا عن التنظير والتحفيز المزيف.

أستطيع أن ألخص أن من يعنف المرأة، من يؤذيها، من يهينها، هو لئيم، كما وصفه الحديث الشريف، ولكنه أيضا جبان، لأنه يخشى ضعفه أمامها، يشعر أن حاجته لها تهديد لقوته، وهذا وهم يسكن رؤوس الجبناء. المرأة الصالحة هي الحنيّة الدافقة، هي الطاقة الدافعة، والظهر الصلب للرجل، ولكن أي رجل؟

[email protected]