عاصفة على المقهى

TT

حدثتكم من قبل عن زبون جديد ظهر على مقهى عم بيومي. عرفت أن اسمه هو المثقف الفضائي، وعندما سألت، هل هو فضائي بمعنى أنه يظهر كثيرا على شاشات الفضائيات، أم لأن الفراغ هو ما يشكل ثقافته، أم لأن عقله عبارة عن أرض فضاء أم لأنه قادم من الفضاء الخارجي؟

ولم يجب أحد عن سؤالي. رأيت ألا أشغل أبو طارق بهذا السؤال فقد كان حزينا لدرجة لم أعهدها فيه من قبل مع كثرة أحزانه.. كيف حالك يا أبو طارق..؟

همس وكأن مجرد نطق الكلمات يؤلمه: حزن أكبر من هذا سوف يجيء.. علينا أن نقيم علاقة ود مع الأحزان.. خسائر أكبر من تلك سوف تلحق بنا، فلا يجب أن ننسى أننا أغنياء قادرون على تحمل الخسارة مهما كان مقدارها.. إنها الحرب، لم يشعر المصريون بكل الحروب التي خاضها جيشهم لأكثر من خمسين عاما، فقد كانت تشتعل بعيدا عنهم، بعيدا عن الوادي.. وتنتهي بعيدا عنهم فلا يشعرون بعشرات الألوف من أبنائهم الذين تحولوا إلى شهداء في ساعات.. نحن الآن ندفع ثمن السلام الذي حصلنا عليه ولم نعترف بوجوده ولم نقدر من صنعوه.. كما ندفع ثمن السلام الذي سنحصل عليه بعد القضاء على الجماعات الإرهابية.. نحن لم نسع لحرب مع أحد، ولم نعلن الحرب على أحد، ولكن يبدو أن الحرب هي قدر بعض الشعوب.. أقصد الحرب دفاعا عن النفس.. هذا هو قدرنا بل قدر المنطقة العربية كلها. وعلى الناس أن تتحمل أقدارها بنبل وصبر.

قلت له: أنت ككل مصري هذه الأيام حزين جدا.. وتتوقع أن حزنا أكبر من هذا سوف يجيء.. وتطلب من الناس أن تدرب نفسها على إقامة علاقة ود بينها وبين الأحزان.. اسمح لي أن أذكر لك مثلا شعبيا من الصين هذه المرة.. «إنك لا تستطيع أن تمنع طيور الحزن من أن تحلق فوق رأسك، ولكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش فوقه» هذا هو ما يجب أن نقوله لأنفسنا هذه الأيام.

وهنا تدخل المثقف الفضائي قائلا: هل تصدقون فعلا أن أميركا والغرب يريدون القضاء على «داعش» والجماعات المتطرفة.. إنها تمثيلية يا سادة.. أميركا ودول الغرب تساعد كل التنظيمات الإرهابية لإذلال العرب.

فقال له أبو طارق: طبعا تعرف أو تسمع عن نظرية داروين في النشوء والارتقاء.. العوام وأنا منهم يفهمون شيئا واحدا من النظرية، وهي أن الإنسان أصله قرد. هذا ما كنت أعتقده، غير أني بعد أن استمعت إلى كلماتك أميل للاعتقاد بأن هناك من الناس من أصلهم حمير.. اسمع وروح قول لزملائك، في أوقات السلام قد يكون مسموحا لبعض الحمير بالتسلل إلى أجهزة الإعلام ليضخوا في الناس كلاما عبيطا من النوع الذي تردده أنت، أما في أوقات الحرب فالصفوف الأخيرة هي مكانكم الطبيعي. إنه لأمر فظيع أن نستمع لهذا النوع من الأفكار من أساتذة جامعة ومن مسؤولين سابقين في أجهزة أمنية حساسة.. نحن في حالة حرب، والحرب في حاجة للعقلاء الناضجين في كل مكان.

توقف لحظة ثم صاح صارخا: عم بيومي.. ابعت حد ياخد الأفندي ده من هنا.. ونزّلي شيشة.. وهات قهوة لأبو علوة.