إشكالية الإرهاب وجدلية الحرية

TT

يقض الإرهاب مضاجع الناس، يفعل ذلك عمدا، فهذا هو الهدف منه، ولهذا السبب شغل جانبا كبيرا من اهتمامنا في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، لا سيما بعد ما جرى في نيويورك وواشنطن في سبتمبر (أيلول) 2001.

لماذا الآن يعود الحديث وبقوة حول إشكالية الإرهاب وتقاطعها مع مسألة الحريات وحقوق الإنسان؟

المؤكد أن ما يجري على أرض مصر المحروسة، من إرهاب أسود هو السبب المباشر، وخاصة بعد العمليات المسلحة التي وقعت في سيناء، وما تبعها من إجراءات أمنية هناك.

ولعل تلك الأحداث كانت ولا تزال تؤكد عمق الرؤية المصرية لجهة انتشار الإرهاب حول العالم، وحتمية مواجهته ضمن استراتيجية عالمية، لا التلاعب به كفكرة وبالإرهابيين كأدوات وآليات لتحقيق أهداف دول ومؤسسات لا تزال مؤمنة بحتمية سيطرتها على العالم.

ومع - ورغم - التقصير الدولي في محاربة الإرهاب، تعلو بعض الأصوات مستهجنة ومستنكرة قيام مصر باتخاذ إجراءات تصون لها حماية الأرض والبشر، وقطع الطريق على مخططات هدم الدولة، ومنع المضي قدما في تنفيذ سيناريو «سايكس بيكو الثانية».

والاعتراض والاستهجان، يتخذان من الحديث عن منظومة الديمقراطية والحريات والتضييق عليها، منطلقا لبث السموم، ضد من يريد الحفاظ على مصر عمود الخيمة العربية من دون أدنى شوفينية مصرية.

ولعل المقصود بالكلمات المتقدمة ولا شك، إجراءات حالة الطوارئ وحظر التجول التي فرضت في سيناء، إضافة إلى قرار رئيس الدولة، عبد الفتاح السيسي، الخاص بحماية المنشآت العامة من الاعتداءات، عبر مشاركة بعض من قوات الجيش مع قوات الشرطة، وعلامة الاستفهام في هذا المقام: «هل ما قامت به مصر بدعة غير مسبوقة في مواجهة خطر الطاعون الأسود، أي إرهاب القرن الحادي والعشرين؟».

في 26 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2001 عرفت أميركا القانون الوطني الأميركي وهو اختصار للقانون المسمى «توفير الأدوات المناسبة اللازمة لاعتراض سبيل الإرهاب وعرقلته»، الذي كان وعن حق ردة حضارية تخلت فيها واشنطن عن جمهورية القانون لصالح جمهورية الخوف.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تمر بها الولايات المتحدة بتجارب تثبت هشاشة تلك الديمقراطية التي عانت من تجاوز وتضييق على الحريات وحقوق الإنسان.

ففي زمن الحرب الباردة، كانت لوائح الاتهامات تتطاير تحت وطأة «الفزع الأحمر»، أي العلاقة بالشيوعية، والبعض أودع السجون بالفعل.

وفي أوقات الحرب العالمية الثانية، لا سيما بعد موقعة «بيرل هاربور» احتجز الأميركيون أكثر من 110 آلاف شخص في معسكرات الاحتجاز لا لشيء إلا لأنهم يتحدرون من أصل ياباني.

هل نذكر هذه الوقائع لتبرير أي فعل يمتهن كرامة الإنسان؟

بالقطع لا، فقط لنؤكد أنه حتى في الدول المتحضرة يتم في لحظات الخوف على سلامة الدولة استدعاء الآليات اللازمة لصون وحدة الأرض والشعب.

هل كانت بريطانيا منبع الحريات وموئل «الماغناكارتا» بعيدة عن هذا الاختيار، أي استدعاء الأدوات الاستثنائية، رغم تطورها الطبيعي، وتقدمها الإنساني؟

الثابت أنه بعد أحداث الشغب التي عرفتها لندن في أغسطس (آب) 2011 تحدث رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بالقول: Human Rights laws stop Britain protect against terrorism أي أن «قوانين حقوق الإنسان تعطل حماية بريطانيا من الإرهاب».. هل توقفت لندن عند هذا الحد؟

في أوائل شهر أكتوبر المنصرم استمع العالم كله إلى ما لا يمكن تصديقه، فقد قال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، إن بلاده قد تستخدم أحد قوانين العصور الوسطى التي ترجع إلى عام 1351، لتوجيه اتهامات إلى بريطانيين أعلنوا ولاءهم لـ«داعش». هذا القانون يقود الخونة في البلاد إلى الإعدام.. لماذا العودة إلى مثل هذا الإجراء التشريعي القديم بعد أن امتنعت أوروبا عن تطبيق حكم الإعدام وكان آخر بريطاني أعدم عام 1964؟

يرى النائب البرلماني المحافظ فيليب هولوبون أن استخدام هذا القانون سيكون مناسبا مع «الجهاديين» أكثر من قوانين مكافحة الإرهاب التي صدرت لاحقا.

هل تجاوزت القيادة المصرية في إجراءاتها الأخيرة لحماية البلاد والعباد من خطر الإرهاب الأسود؟

القرار سليم ودستوري ونابع من نظرية الظروف الاستثنائية التي سنها القانون الفرنسي وأخذها عنه نظيره المصري في خمسينات القرن الماضي، حيث إنه في ظل الظروف الاستثنائية يحق للدولة أن تتداول بالقانون العسكري والأخذ بما تراه من الإجراءات الاستثنائية لأمن الوطن وسلامة أراضيه وشعبه.

لماذا تزايد المد الإرهابي وماذا عن مجابهة ومواجهة التيار الآثم هذا؟

الفشل سببه إخفاق المجتمع الدولي بقصد أحيانا، ومن دون قصد في مرات أخرى، في الاعتراف بأن الإرهاب سلوك إجرامي، وهذا ما أدى إلى تشجيع نموه في العقدين الأخيرين.

وعليه فكما يوجد تعاون بين الدول المشاركة والمشجعة لأعمال الإرهاب، تحتم الحاجة السريعة، أن يكون هناك تعاون بين الدول التي تمثل أهدافا حقيقية ومحتملة للتعرض للإرهاب.

مؤخرا في واشنطن علت أصوات حفنة من المحامين الأميركيين بالقول: «حقوق الإرهابيين المشتبه بهم هي حقوقنا أيضا».

غير أنه في اللحظة ذاتها بدأ الرأي العام الأميركي السائد في النظر بازدراء شديد لهذه «الوساوس الليبرالية»؛ إذ حظي القانون الوطني الأميركي بموافقة شعبية واسعة النطاق، وازدادت الحاجة إليه مع التهديدات الأخيرة، وباتت الحقيقة الواضحة أن معظم الأميركيين لديهم استعداد للتضحية بحريتهم في مقابل الأمن، إذا ما شعروا أنهم تحت تهديد قوي يدفعهم لذلك.