دبلوماسية الربع الأخير من ولاية أوباما

TT

هل يصلح الربع الأخير من ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما ما أفسده «الدهر» من مساعي واشنطن لتسوية القضية الفلسطينية طيلة الـ3 أرباع الأولى من ولايته؟

ما جدوى دعوة الخارجية الأميركية للقاءات بين الوزير جون كيري وكبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، لبحث «طريقة المضي قدما» في عملية السلام المعطلة، بعد أن فقد الرئيس أوباما أكثريته الحزبية في مجلسي الكونغرس، وتحول (حسب التعبير الأميركي) إلى «بطة عرجاء» (في الداخل والخارج معا) مطوقة بالجمهوريين على الصعيدين التشريعي والتقريري... بانتظار «اصطيادها» عام 2016، موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

إذا كانت إدارة أوباما، بعد 6 سنوات على إطلاقها عملية التفاوض المباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين على تسوية «مطبوخة» ورثتها عن جورج بوش، وبعد العشرات من الزيارات المكوكية لوزير خارجيتها إلى تل أبيب ورام الله وعواصم المنطقة كلها، لم تتمكن حتى الآن من تلمس «طريقة المضي قدما» في عملية السلام.. فذلك يوحي بأن إدارة الرئيس أوباما إما غافلة عن «مفاتيح» الحل، أو متغاضية عنها لأمر ما.

وإذا كانت الإدارة الديمقراطية، بعد 6 سنوات من «التجربة والخطأ» في علاقاتها مع بنيامين نتنياهو، قد عجزت عن دفع «حل الدولتين» الذي ورثته عن الإدارة الجمهورية السابقة، خطوة واحدة إلى الأمام، وإذا كانت لم تتمكن من «تمريره» في مطلع عهدها وأوج تطلعها إلى فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي (كما بشر الرئيس أوباما في خطاب القاهرة الشهير)، فهل يعقل أن يفرضه اليوم بعد أن ارتاحت إسرائيل إلى تقويض أعدائها، بأيديهم، مقومات كل دول جوارها العربية، وبعد أن ساهم «داعش» في إضفاء شرعية «الأمر الواقع» على مطالبة نتنياهو الفلسطينيين بالاعتراف بـ«يهودية إسرائيل»، وبعد أن تعززت جرأة نتنياهو - عقب حربه الدموية على غزة - على تحدي إدارة أوباما، ورجحت انتخابات منتصف الولاية حساباتها الإقليمية؟!

إن جاز اختصار الحالة الأميركية - الإسرائيلية - الفلسطينية الراهنة بجملة واحدة لكانت: إسرائيل اليوم في أحسن حالاتها، والإدارة الأميركية في أردأ أوضاعها.. والتسوية الفلسطينية تراوح مكانها «مبدئيا»، بينما سياسة الاستيطان الإسرائيلية الجارية على قدم وساق تقضم ما تبقى من مصداقيتها.

لا غرابة ألا تبدو السلطة الفلسطينية نفسها مفعمة بأمل تلمس تبدل جذري في أسلوب مقاربة إدارة أوباما لحل الدولتين. أقصى ما يتوقعه المفاوض الفلسطيني أن تطرح واشنطن «حلولا وسطية» لحلحلة عقدة التفاوض، رغم أن التسوية الفلسطينية لم تعد تتحمل مزيدا من التنازلات، حتى ولو طُرحت في صيغة «الحلول الوسطية».

ربما كان الدافع الضمني لمسعى ربع الساعة الأخير في ولاية أوباما رغبة إدارته في تجنب المزيد من الإحراج المعنوي والدبلوماسي، في حال نفذ الفلسطينيون تلويحهم بالتوجه إلى مجلس الأمن بمشروع قرار يدعو إلى إنهاء احتلال يجثم على أراضيهم منذ عام 1967.

قد يكمن هنا بيت القصيد بالنسبة للفلسطينيين تحديدا.. فعلى الصعيد الدولي، تجري رياح التسوية الفلسطينية اليوم بغير ما تشتهيه سفن إسرائيل وترسانتها العسكرية أيضا. واعتراف السويد الرسمي بدولة فلسطين، إضافة إلى اقتراع مجلس العموم البريطاني على توصية (غير ملزمة للحكومة) وتلميحات العاصمة الفرنسية المحبذة للاعتراف بدولة فلسطين، مؤشرات يصعب على واشنطن تجاهل مغزاها على المدى المتوسط وليس البعيد.

مع التسليم بأن الدول الأوروبية ليست في وضع يسمح لها بأن تفرض، بمفردها، تسوية الدولتين، فإن التحول المستمر في مشاعر الشارع الأوروبي حيال إسرائيل مؤشر واضح على تجاوز الذهنية الأوروبية ضغوط تهم «اللاسامية»، التي توجّه تقليديا إلى كل من يجرؤ على انتقاد إسرائيل وسياستها.

وفي حال تنامي تيار الاعتراف بدولة فلسطين داخل الاتحاد الأوروبي لن تكون الولايات المتحدة مرتاحة إلى استمرار «عزلتها»، داخل مجلس الأمن، بوصفها مدافعا وحيدا عن آخر احتلال استعماري في القرن الـ21، مما قد يدفعها هي، لا الفلسطينيين، إلى «حل وسطي» قد يتخذ صيغة الامتناع عن استعمال «الفيتو» لرفض أي مشروع قرار مستقبلي يدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.