أسرع.. المقاعد محدودة

TT

في مثل هذا اليوم قبل ربع قرن، سقط جدار برلين. فورا بدأ التاريخ يعيد كتابة نفسه على جدار المذهل واللامعقول. سوف تعود ألمانيا واحدة كما كانت، لا شرق ولا غرب. وسوف تتوحد برلين، لا شرقية ولا غربية. لا سوفيات ولا أميركيون. وسوف تنهار الإمبراطورية السوفياتية. وسوف ينهار حلف وارسو وتنضم بولندا إلى الحلف الأطلسي. كل شيء لم يكن ليصدق قبل سقوط الجدار، صار واقعا طبيعيا بعد سقوطه. براغ التي احتلها السوفيات ربيع عام 1968 صار رئيسها المنشق فاتسلاف هافيل. دول البلطيق أنزلت الأعلام الشيوعية وأسرعت إلى إقامة الأسواق الحرة وبيع العطور. بلغاريا عادت إلى النشيد الوطني القديم. منغوليا أقامت مبنى البورصة بعيدا عن المزارع الباردة. أرمينيا غيرت أسماء شوارع العاصمة يريفان. أوكرانيا استعادت الرقص الشعبي، الأحزاب الشيوعية حول العالم حلّت نفسها، إلا الّلَمّم. سارعت الصين إلى فتح الأبواب التي لم تكن قد فُتحت بعد. الأحزاب الشيوعية في أوروبا اعتذرت عن الاستقبال. هنغاريا سمحت بالرقص الغجري في الشوارع. رومانيا ودعت تشاوشيسكو وإيلينا بمحاكمة مزورة ورصاصة حقيقية في الرأس. الضحية أقسى من الجلاد وأكثر فظاظة.

عالم عمره أكثر من 70 عاما انهار مع تراب جدار برلين. في أميركا أعلن البروفسور فوكوياما «نهاية التاريخ». إنها بدايته، أيها الساذج. بدايته. منذ متى كان التاريخ ينتهي؟ ألا تذكر قول نابليون إن الجغرافيا تصنع التاريخ؟

بدأ تاريخ هائل بعد برلين. ضابط المخابرات السابق في برلين الشرقية وحارس الشيوعية الصلبة سوف يصبح حارس الرأسمالية الروسية في الكرملين. كم يتغير هذا العالم، من دون أي حرج. فجأة لم يعد هنا عالم شيوعي يهدد العالم الرأسمالي ليرميه في مزبلة التاريخ. فجأة تراجعت الحرب الباردة البادئة منذ نهاية الحرب الحارة الثانية.

راعيان وقطعان. تغيّر الراعي فتغير اتجاه الغنم. ما أودع ثغاء الحملان. تبدو برلين التي قبل 25 عاما، مثل أثينا التي قبل 2500 عام. زمن سحيق وأعمدة واحدة. أنقاض رخامية جميلة وعالمان متناقضان. إذا سافرت إلى برلين اليوم فسوف تعرض عليك رحلة أثرية منظمة لآثار عمرها نصف قرن، كما تعرض عليك في روما رحلة عمرها 20 قرنا. وفي الشتاء نقدم لجنابك تخفيضات وحسومات كبرى. أسرع قبل أن يتغير وجه العالم مرة أخرى.