ثمن التكريم هو الموت

TT

شارك عبد الحليم البطولة أغلب جميلات السينما المصرية في زمن الخمسينات والستينات؛ فاتن، وشادية، وماجدة، وصباح، ولبنى عبد العزيز، وزبيدة ثروت، ونادية لطفي، وميرفت أمين، ولكن ظل لقاؤه مع مريم فخر الدين في فيلم «حكاية حب» يشكل حالة خاصة على خارطته السينمائية، وكأنه العنوان الرسمي لعبد الحليم حافظ، ولا ينسى الجمهور حليم وهو يغني لمريم: «بتلوموني ليه.. لو شفتم عنيه.. حلوين أد إيه»، وكأنها تختصر كل أغنيات الحب في ومضة واحدة.

دور الأميرة «إنجي» في فيلم «رد قلبي» صار أيضا فيلم ثورة 23 يوليو، وظلت رومانسيتها في الحالتين هي العنوان الأثير لزمن نترحم فيه على الحب والتضحية والإيثار، ورغم ذلك، كان التجاهل هو دائما مصيرها؛ فلا مهرجان يفكر فيها، ولا دولة تحرص على تكريمها، بل إنني لا أتذكر أن أحدا وجه لها دعوة لمجرد حضور مهرجان يقام في مصر أو أي دولة عربية.

هل كان يجب أن ترحل مريم فخر الدين عن الحياة حتى يحتفي بها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ويهدي إليها دورته التي افتتحت أمس؟ الحقيقة هي «نعم»، لولا الرحيل ما كان من الممكن أن يتذكروها، لو قلبت صفحات الأرشيف للمهرجان، فستجده على مدى يقترب من 4 عقود قد كرّم الجميع من جيلها، بل واللاحقين لها، وتجاهلوها، ومع سبق الإصرار والترصد.

مريم لم تحط تاريخها ولا نجوميتها بسور لحمايتها، حتى أصبح تجاهل تكريمها لا يثير دهشة أحد. آخر تكريم للفنانين المصريين في عيد الفن في هذا العام، 13 مارس (آذار) الماضي، صعدت فيه على المسرح فاتن وماجدة وشادية ونادية لطفي، وسقطت، كالعادة، مريم.

لمريم رصيد لا يمكن لأحد إنكاره، ولها طلتها وبصمتها، اسمها صار مرادفا للرومانسية التي انطلقت في مطلع الخمسينات. حصرها المخرجون في دور الفتاة الحسناء الطيبة، ولم تستطع أن تتمرد على هذا الدور، كما أن السينما المصرية بطبعها تميل للتنميط. كل فنان يلعب دورا يظل يؤديه حتى النفس الأخير، جيل مريم من النجمات كان لديه قدرة على التوقف في التوقيت المناسب، في لحظة فارقة ابتعدت فاتن وهي في القمة، لأنها تريد الحفاظ على القيمة الأدبية التي حفرتها، وهو ما ينطبق أيضا على ماجدة وشادية والراحلة هند رستم، كن في القمة؛ الاسم يتصدر «الأفيش»، وأسماؤهن تسبق الجميع في «التترات»، وصورهن تملأ الأغلفة، ولكن مع تغير الأيام أدركن أن لكل زمن دولة، ولكل عصر نجومه، حاولت مريم في البداية أن تتماسك، إلا أنها مع مرور الأيام كانت تقبل أي دور وتظهر في أي مساحة، ومع انتشار الفضائيات أراد صُناع البرامج أن يحيلوها إلى «فقرة» يتم استثمارها لإضفاء قدر من السخونة في الحلقة، ويبدأون في توجيه الأسئلة المقصود منها مثلا أن تهاجم فاتن، أو أن تسخر من عبد الحليم، أو تفتح النار على صباح، وهي، بحسن نية، تستجيب، ربما كان الاحتياج المادي يدفعها للموافقة على تسجيل هذه البرامج، ولكن لا يعني ذلك أن نلغي عطاءها الموثق على أشرطة سينمائية.

يبدو أننا نُطل على التاريخ من موقعنا، وهكذا كان القائمون على المهرجانات السينمائية في مصر والعالم العربي؛ عندما يأتي اسم مريم يشاهدون الصورة وبها الكثير من الخدوش، فيتم استبعادها، بعد الرحيل عادت الصورة نقية تماما، وهكذا تذكرها مهرجان القاهرة السينمائي بعد قرابة 4 عقود من التجاهل. وضعنا على قبرها أكاليل من الورود، وبخلنا عليها، وهي بيننا، أن نهديها وردة.