الأحساء.. الأحواز

TT

يشعر السعوديون بأنه من غير المناسب مقارنتهم بالإيرانيين في تعاطيهم مع الأقليات المذهبية، لأننا نتفوق عليهم في الحقوق وممارسة الحرية الدينية.

لكن في الواقع أن السعودية رمز ومرجعية للأكثرية السنية للمسلمين حول العالم، وإيران مرجعية شيعية، وهما قطبان فرضا وجودهما السياسي والفكري على المنطقة منذ اندلاع ثورة الخميني نهاية سبعينات القرن الماضي، ومن غير المعقول أن يكون حكمنا على أنفسنا مهما كان إيجابيا سببا للعزوف عن إظهار الحقائق إعلاميا والتصدي للمزايدات والأكاذيب التي يطلقها كل يوم الإيرانيون وبعض وسائل الإعلام الغربية.

جاءت حادثة الأحساء التي قتل فيها 8 مواطنين شيعة على يد متطرفين سنة أثناء تأديتهم لطقوس يوم عاشوراء، كالضرة النافعة، وفرصة كبيرة لسنة وشيعة السعودية ليكشفوا عما كان معتمرا في صدورهم وحالت دون ظهوره الظروف. أهم هذه الظروف هو ما يتعلق بمكافحة الإرهاب في محافظة القطيف، التي يسكنها أتباع المذهب الشيعي، وآخرها مقتل باسم القديحي أحد زعماء الإرهاب في بلدة العوامية بعد مواجهة مع الأمن في سبتمبر (أيلول) الماضي، ثم أعقبها الحكم الابتدائي على الزعيم الديني نمر النمر بالإعدام، وما تلا ذلك من تحريض إعلامي إيراني بأن في هذه الأحداث تأكيدا على أن الشيعة أقلية مذهبية مضطهدة من قبل الحكومة السعودية.

من محاسن وسائل الإعلام الاجتماعي أنها جعلتنا أكثر اطلاعا على مجريات الأحداث الأمنية، جعلتنا في صورة الحدث مع الممارسات الإرهابية المسجلة بالصوت والصورة لأعمال عنف واعتداء من قبل بعض المتطرفين الشيعة ضد رجال الأمن، كما كنا شهودا على تسجيلات لخطب رجل الدين الشيعي نمر النمر قبل 3 سنوات وهو يحرض ضد الدولة، ويشتم رموزها ويدعو عليهم بالهلاك، بلغة صريحة مباشرة، ويحرض على الخروج الشعبي لإسقاط النظام، وكان يجمع التبرعات علنا لتمويل نشاطاته، مع ذلك كان يذهب إلى بيته كل ليلة لينام قرير العين، وكانت زوجته تتلقى علاجها الطبي في الولايات المتحدة على حساب الدولة، وأبناؤه مبتعثون للدراسة على حساب الدولة التي يقول إنه لا يعترف بها. من هو الناشط السني في منطقة الأحواز العربية في إيران الذي يملك الجرأة لمثل هذه الممارسات العلنية ثم يأمن على نفسه وعلى أسرته؟

منذ أصبحت السعودية مستهدفة من قبل تنظيم القاعدة، أي من نحو عقدين، أعلنت وزارة الداخلية عن أكثر من قائمة مطلوبة من الإرهابيين، كانت تنشر أسماءهم وصورهم في الإعلام. هذه القوائم بمجملها لسنيين متطرفين، القبض عليهم أو مقتلهم كان يسعدنا جميعا. وبالمثل يكون موقفنا من قائمة الـ23 مطلوبا من الشيعة التي أعلنتها الداخلية في 2012 لمتهمين بارتكاب أعمال إرهابية شرق السعودية. هذه القوائم تتضمن متطرفين من المذهبين، لكنهم في نظر الجهات الرسمية قائمة واحدة تحت عنوان واحد هو الإرهاب. السعوديون بكل مذاهبهم وانتماءاتهم يدركون أنهم يعيشون في استقرار وسط بحر عاصف من العنف والإرهاب يحيط بهم من جميع الجهات، هذا الاستقرار ثمنه باهظ، بل لا يقدر بثمن، ولكنه متحقق لأن رجل الأمن الذي يواجه متطرفا مسلحا لن يجد الوقت ليسأله عن مذهبه، لا وقت إلا للدفاع عن النفس والأرض والوجود.

حادثة الأحساء البشعة، كانت فرصة كبيرة للسعوديين الشيعة المعتدلين ليسمعونا صوتهم، لأن مشكلة الطيبين والشرفاء أنهم يختارون الصمت في كثير من المواقف التي تتطلب الشجاعة في الإفصاح. تحدث خلال فترة العزاء رموز دينية شيعية عن أهمية اللحمة الوطنية كجدار أمني يستظل تحته كل السعوديين على اختلافاتهم، أعلنوا صراحة أنهم ضد كل من يخل باستقرار وطنهم أيا كانت مرجعيته، وأظهروا امتنانهم لرجال الأمن الذين سارعوا إلى القبض على المتورطين في وقت قياسي، حتى إن بعض السعوديين سمعوا بخبر القبض على الجناة قبل أن يسمعوا بالحادثة نفسها. وكان حديث الباحث الدكتور توفيق السيف خلال المناسبة، وهو شيعي المذهب، موفقا إلى درجة كبيرة، أكد فيه أن المصلحة الوطنية مقدمة على الولاءات الشخصية، والدكتور السيف صوت إعلامي جهور في المجتمع الثقافي السعودي.

وزير الداخلية السعودي، قدم تعزيته لأهالي ضحايا حادثة الأحساء في حسينية «المصطفى» التي حصلت فيها الحادثة، كان يجلس وشعارات المذهب الشيعي المعلقة على الحوائط تحيط به من كل مكان، عن كربلاء والحسين وفاطمة رضي الله عنهما، شعارات لا يقر التعاطي بها المذهب السني الذي يتبعه الوزير، لكنها لم تكن لتمنعه من الحضور والمشاركة والاستماع بقلب مفتوح ووجدان حاضر، مثلهم مثل أهل القصيم وحائل السنة الذين زارهم ليواسيهم في ابنيهم رجلي الأمن اللذين قتلا خلال تأدية عملهما في التصدي للمعتدين.

في هذا التوقيت، ظهر تقرير أممي مريع من مجلس حقوق الإنسان يدين إيران بسبب تدني مستوى حقوق الإنسان فيها، ويعيب على السلطة الممارسات القمعية ضد الأقليات العرقية والمذهبية، وأهمها الإعدامات العلنية التي وصلت إلى نحو 1000 حالة خلال عام واحد، وبعضهم قضى تحت التعذيب في السجون، وأبرز الضحايا هم الأقلية العربية في منطقة الأحواز خاصة السنة منهم الذين تمارس عليهم السلطات حملات مداهمة وقبض وتعذيب ثم القتل، وتضيق عليهم تنمويا وتحرمهم من أداء شعائرهم بغلق المساجد أو منعهم من دخولها. وحتى تبرر إيران للمجتمع الدولي هذه الانتهاكات، عمد أفراد من حرسها الثوري إلى رفع راية «داعش» على بعض الأبنية، لتوحي بأن عرب الأحواز أقلية تؤيد الإرهاب.

الطائفية التي نشكو منها، مصدرها ليس قناة فضائية أو أفرادا؛ هي منظومة كاملة استندت إلى موروث ديني لتحقيق أهداف سياسية، والطائفية ليست تهمة توجه إلى شخوص محددة، بل هي عقيدة دول، تمارس وفق استراتيجية، ومواجهتها لا يكفيها سن قوانين تهذب الناس وتكبح فيهم العنصرية، لأن هؤلاء الناس مجرد لاعبين على لوحة الشطرنج.. التصدي للطائفية عمل سياسي وفكري وتنموي.

[email protected]