جاهزة للانفجار!

TT

ثقافة الحوار العربية في حالة خطيرة، والمتابع لنوعية وأسلوب وحدة التعليقات الموجودة على ساحات التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها لا بد أن يتوصل إلى أن الموضوع هو علاقة وحالة مرضية شديدة تستدعي التحليل والدراسة وطبعا العلاج! فالانتشار الهائل لـ«الخبراء» و«المحللين» و«الأخصائيين» بات مسألة تستدعي الضحك وليس فقط الذهول والاستغراب.

هناك الكثيرون ممن «ادعوا» أن نهمهم واندفاعهم للتحصيل العلمي لم يترك لهم وقتا ولا مجالا للاستقرار في عمل معين ولفترة منطقية حتى يمكن أن يحصلوا على لقب «خبراء وفي الوقت نفسه متمرسين»، وهذا النوع من التنظير هو أشبه بمن له ميول وحب للطهي، فأخذ ينكب على قراءة كتب عديدة في فنون الطهي وبات يتفاخر وبكل ثقة بأنه يحفظ ويعرف عن ظهر قلب أساليب وطرق طبخ لحم النعام بأشكال مختلفة ومتنوعة لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع ولا يعرف كيف يكسر بيضتين ناهيك عن قليهما في مقلاة صغيرة الحجم، مما يؤكد بشكل قطعي أن العلم بلا ممارسة فعلية له هو كلام لا معنى له أبدا.

ذكرني ذلك بموقف أحد المعارف الذي بدأ حديثا يوجهه لمجموعة كنا معا من ضمنها، وقال: «الشعب الياباني متخلف جدا»، ولم ينتبه الكثيرون لحديثه بعد ذلك، وبعدها بفترة قابلته وقال لي بفتور شديد وبالغ إن الشركة اليابانية التي يعمل مع وكيلها في المنطقة قد أمنت له فيزا للزيارة والتعرف على الشركة الأم في المقر الرئيسي باليابان، نظرت إليه ولمعة الإعجاب في عيني، ولساني قد امتد إلى ركبتي وكلي دهشة واستغراب من تأففه واستيائه، ولم أستطع تفويت الفرصة وسألته (خصوصا أنني قد سافرت إلى معظم دول آسيا بما فيها اليابان): لماذا هذا الامتعاض على وجهك أخي العزيز؟.. وفاجأني برده وقال: «وما الذي يفرق اليابان عن غيرها؟ ما الذي من الممكن أن أستفيده من هذا المشوار العجيب؟»، ودون إطالة في الموضوع سافر الرجل إلى اليابان ولمدة عشرة أيام، ومنذ عودته من هناك لا يتحدث إلا عنها وعن شعبها وما الذي فعله هناك وما رآه وعن انبهاره وسؤاله الأزلي: «كم مرة أكلت سوشي وساشيمي بحياتك؟»، وعندما أجيبه يكون رده: «ولكن ليس مثل (عندنا) باليابان»، وأكاد أجزم أنه بصدد الهجرة إلى هناك وأخذ جنسيتها.

طبعا هذه الثقافة تتأصل في الحوارات الفردية بشكل أكبر، فيسأل عربي زميله: «كم دفعت قيمة المكيف؟»، فيقول له: «بألف»، وفورا يكون الرد: «ضحكوا عليك وسرقوك واستغلوا طيبتك»، ثم يأتي السؤال: «بكم بعت سيارتك؟»، وتجيب، ثم يكون التعليق فورا: «برخص التراب لأنك استعجلت، الله يسامحك لو بس كنت حكيت»!

وفي ملاحظاتهم عن لبسك لا بد أن يظهر الخبير الإيطالي نفسه ليقول: «هذا اللون لا يليق بك، وكأنك على ما يبدو (استرخصت)»! وإذا ما قلت له إنك كنت في السينما وذكرت له الفيلم الذي شاهدته! أجاب: «لا يا أخي.. من يحضر فيلما (بايخ) وسخيفا كهذا؟!»، وإذا ذكرت «سمير» ومدحته وأشدت بأخلاقه وقلت إنه مثالي، يأتيك الرد: «إنك على نياتك، والأفضل أن نكون ساكتين»!

نماذج من نوعية الخلل المضحك المبكي في الحوارات التي تنفجر لتكون دموية. شعوب جاهزة للانفجار!