انحياز أهل الأحساء للدولة أفشل المخطط

TT

ليست حادثة الأحساء معزولة عن مشروع «الفوضى الخلاقة» الرامي لإثارة القلاقل في دول منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها «دولة» كالمملكة العربية السعودية و«دولة» كمصر بالدرجة الأولى، عماد المنطقة ورمانة ميزان الاستقرار فيها، وما حدث في الأحساء يحدث في سيناء؛ فالمشروع واحد، لسنا أمام حرب طائفية سنية - شيعية كما يراد لنا أن نتصور، فحادثة الأحساء ليست معزولة ولا خارج سياق ما حدث في البحرين ومصر وليبيا وتونس، فالرعاة هم ذاتهم، والأدوات تحدد وفق طبيعة كل دولة.

هذا ما أدركته قيادة المملكة العربية السعودية منذ اللحظة الأولى لحادثة الأحساء، فجاء رد فعلها مستوعبا الهدف متجاوزا الأداة، أن ردة فعل «الدولة» الحاسم تمثل في وجودها كمؤسسة أمنية أخذت زمام المبادرة وقامت بتحمل مسؤولية معالجتها بنفسها وقبل أن يرتد طرف أهل الأحساء، فدفعت بخيرة أبنائها لمطاردة القتلة وراح منهم ضحية، ونجحت في إبطال مفعول القنبلة التي زرعت ولم تكن القنبلة احترابا طائفيا بل كانت تهدف إلى أن يأخذ أهل الأحساء ثأرهم بيدهم.

والحق يقال إن فطنة أهل الأحساء المبكرة والتفافهم حول الدولة واكتفاءهم بالواجب الذي قامت به مؤسساتها عامل حاسم في إفشال المخطط، فطنتهم التي دفعتهم لرفع صورة شهيد الأمن السني إلى جانب شهدائهم هي التي أخمدت الشرارة، إدراكهم أن الطائفة الشيعية ليست هي المستهدفة في حادثة الأحساء، بل هو هيكل ونظام «الدولة» المستهدف إسقاطه من حساب السعودي الأحسائي، فالدول تسقط حين لا يشعر بوجودها المواطن، ولا يشعر بأهميتها ولا يجد الأمان في ظل مؤسساتها وقانونها وقضائها. كان الهدف أن يفقد الأحسائي الأمن في ظل المؤسسات الأمنية السعودية، فيتحرك ليحمي نفسه، وهكذا تفرط المسبحة كما فرطت في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكادت تفرط في مصر وفي البحرين.

نحن لسنا إذن أمام حرب طائفية يتقاتل فيها السنة مع الشيعة.. نحن أمام مجموعات مسلحة سنية وشيعية لديها مشروع «الأمة» كبديل عن مشروع «الدولة»، والاثنان يعملان على محاربة وإسقاط الدول القائمة بهذه الفوضى الخلاقة.

في لبنان والعراق وسوريا واليمن والبحرين والسعودية ومصر وليبيا والصومال وتونس، تقاتل هذه المجموعات المسلحة كيان «الدولة»؛ تقاتل مؤسساتها الأمنية وتعمل على تهميش وتسقيط مؤسساتها التشريعية إن وجدت، فالهدف الأساسي يتجه للدولة لا للطوائف، فليس للطوائف كجماعات بشرية علاقة بهذه المجموعات، فلا بد من التفريق.

تلك المجموعات ليست ميليشيات محلية صرفة، بل هي خليط عربي بيني، بمعنى أن التونسي مع المصري يقاتلان في العراق مع السعودي والكويتي لإسقاط الدولة العراقية، والفلسطيني يقاتل الدولة المصرية، والصومالي والليبي واللبناني يقاتلون «الدولة» السعودية، وهي ليست عربية صرفة أيضا، بل تشارك إيران كراعية لدولة الإمامة في القتال الدائر في الدول العربية الآن، ولديها ألوية وكتائب ومعدات وقيادات ميدانية وطيران، لذا تبدو رسالة السيد أوباما ساذجة، تلك التي أرسلها لخامنئي يغريه ويدعوه لوليمة القتال على «داعش» إن أحسن خامنئي التصرف في الملف النووي، فإيران على الأرض هناك لا تنتظر دعوة من أوباما، فمن يملك مفتاح الأراضي العراقية غير السيد خامنئي ويمد جسره العسكري عبر العراق ليصل لسوريا ولبنان؟!!

أما المقاتلون الأجانب من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية الذين يبلغ عددهم بالآلاف، فهم مفاجأة التدويل! إذ يبدو أن مشروع «إسقاط الدول القائمة» مشروع ضخم استقطب الخبرات القتالية الأجنبية واستقطب المغامرين واستقطب المجندين الأجانب المرتزقة، بل استقطب حتى العنصر النسائي من النساء الغربيات اللاتي يستهويهن سحر الشرق وأساطيره، فدخل آلاف الأوروبيين عبر البوابة التركية راعية دولة الخلافة السنية.

أما البوابة الإيرانية ففتحت ليدخل منها الأفغاني والباكستاني والأوزبكي والطاجيكي وغيرهم من الشرق، كما فتحت البوابة التركية ليدخل منها الأوروبي والأميركي، وهكذا تم تدويل مشروع إسقاط الدول العربية، لا بالمقاتلين الأجانب فحسب، فلجميع تلك الميليشيات حسابات مصرفية، ولديها تجارتها الدولية مع حكومات أجنبية، وعبر بوابات قامت بدورها في غسل الأموال وإعادة صرفها، ويجري ذلك تحت سمع وبصر الدول التي تحارب الإرهاب الآن، فمنها ولها يباع ويشترى السلاح، وتصدر الموارد، المحرم منها كالحشيش والمشروع منها كالنفط، إذ إن موازنة تسليح تلك الميليشيات ليست أموالا جمعت بتبرعات المساجد كما يراد إقناعنا، بل نحن أمام معدات وأجهزة وتسليح ينافس تسليح الجيوش الرسمية، هذه هي الفوضى الخلاقة التي أسقطت دولا وتعمل على إسقاط الصامد منها. الفارق بين دول سقطت ودول صامدة أن مؤسسات الدولة هي التي تتصدى لهذه المجموعات، كما في المملكة العربية السعودية، وكما في مصر، وهكذا في البحرين، الدولة (كمؤسسات، كدستور، كنظام، كقوة عسكرية أمنية) هي الباقية، هي المحافظة على تماسكها، هي التي تتصدى لتلك المجموعات، أما الدول التي سقطت فهي تلك التي تعيث فيها الميليشيات مسيطرة على مقدراتها، كما يجري الآن في كل من العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن، ويختفي فيها أثر المؤسسات الرسمية، وتفرض الميليشيات قانونها الخاص، ولن يقف أمام هذا المشروع الفوضوي إلا التفاف المواطنين حول «الدولة» بمؤسساتها، بنظامها، بدستورها، بقانونها، أي صورة من صور تعزيز وتكريس «الدولة» هو سلاح يقف في وجه هذا المشروع، إعلان الانتخابات في البحرين وإحالة توافقات الحوار الوطني للمؤسسات التشريعية كي تقرها هو تكريس وتعزيز لمؤسسات الدولة والتصدي لفوضى الشارع، هو حائط صد أمام هدم وإسقاط الدولة (للعلم أميركا هي الدولة الوحيدة التي التزمت الصمت تجاه الانتخابات في البحرين رغم إشادة دول العالم أجمع بها).

ختاما، نؤكد أن التفاف أهل الأحساء حول مؤسسات الدولة السعودية وقيام المؤسسة الأمنية السعودية بواجبها، أنقذ المملكة العربية السعودية، وأبطل مفعول قنبلة كانت تستهدف «الدولة» فيها، فلا ننجر وراء نغمة الفتنة والحروب الطائفية، فما يجري لا علاقة له بالطوائف واختلاف المعتقدات الدينية، ما يجري هو مشروع يستهدف الدول، وما «الطوائف» إلا وقودها.