جنون اسمه الفراعنة!

TT

تحدثت في الأسبوع الماضي عن قصة نفرتيتي الأميركية؛ واليوم أحدثكم عن نفرتيتي الإيطالية، وهي عاقلة ومتزنة بعض الشيء عن الأخرى. وقد تقابلنا في تورينو، وقدمت لي نفسها على أنها الملكة نفرتيتي – زوجة أخناتون أول فرعون مصري يدعو إلى التوحيد. وقالت إنها تداوم على السفر إلى الأقصر لكي تجلس داخل معبد الكرنك، وخاصة تلك المنطقة التي بنى فيها أخناتون معبد الآتون المتمثل في قرص الشمس بالكرنك، وذلك رغم أنف كهنة آمون الذين اتسع نفوذهم وتضخمت ثرواتهم في الأسرة الثامنة عشرة وأصبحوا هم المسيطرين على مقاليد الحكم فعليا. وبعد أن تنتهي نفرتيتي من زيارة الكرنك تذهب إلى تل العمارنة لتعيش مع ذكرياتها وأسرتها في تلك المدينة الجديدة وتشبع حنينها إلى الماضي. وكانت آخر مكالمة تليفونية من نفرتيتي الإيطالية منذ شهر فقط.

لقد وصل الجنون إلى حد أنه لا يوجد بلد في أي مكان في العالم إلا وبه رائحة الفراعنة، سواء مطعم على شكل فرعوني أو هرم، وهناك مدينة ممفيس في أميركا، والتي سميت على اسم ممفيس - عاصمة مصر القديمة؛ ويوجد بالمدينة هرم استعملت قمته لكي تكون مقرا إذاعيا، وداخله ملعب لكرة السلة. وهناك الكثير من المدن التي يوجد بها أهرامات حديثة، ومدن مثل نيويورك ولندن وباريس وروما تتزين ميادينها بمسلات فرعونية حقيقية نقلت من مصر إما عن طريق الإهداء أو عن طريق الشراء في القرن التاسع عشر. كما توجد معابد صغيرة أهدتها مصر بعد مساهمة بعض الدول في إنقاذ آثار النوبة، مثل معبد دندور في نيويورك ويجاور المسلة بمتحف المتروبوليتان، ومعبد آخر في مدينة مدريد. وفي مدينة فيلادلفيا يوجد تمثال لأبو الهول يعتبر ثالث أضخم تمثال بعد تمثال الجيزة ويقيمون له عيد ميلاد كل سنة، ويسمحون لتلاميذ المدارس هناك بأن يأتوا ليناموا بجوار أبو الهول ويتعلمون الكتابة الهيروغليفية، وكل ما يخص عالم الفراعنة. وهناك اعتقاد بأن مدينة لاس فيغاس لا يوجد بها غير الهرم الذي يطلق عليه الأقصر، والحقيقة أنهم قلدوا كل ما تشتهر به مدن العالم مثل فنادق على الطراز الروماني، وأخرى على الطراز الهندي والصيني والمكسيكي وغيرها. وفي مصر تجد من يهاجم هذا ويتحدث عن الملكية الفكرية؛ والتقليد الأعمى.. لكن الحقيقة أن هؤلاء لا يعرفون أن هذا ضمن جنون اسمه الفراعنة.

توجد مئات الأفلام التي تنتجها هوليوود عن الفراعنة، وتصور حاليا أفلام أخرى؛ منها فيلم جديد عن الملكة كليوباترا، وللأسف الشديد فإن جميع الأفلام يتم تصويرها في غير مصر التي تخسر ملايين الدولارات. وسبب هروب هوليوود من مصر، هو المعاناة التي تقابلهم عندما يطلبون تصاريح للتصوير. فعندما قامت المنتجة چولي كورمان بعمل فيلم للصغار، ظهر فيه خالد الصاوي سائق تاكسي في بداية حياته الفنية، نصحها المخرج العالمي سبيلبرغ ألا تذهب إلى مصر نظرا للمعاناة الشديدة للحصول على التصاريح. على صديقي أسامة هيكل المسؤول الآن عن مدينة الإنتاج الإعلامي أن يحصل على موافقة رئيس الوزراء على أن تكون مدينة الإنتاج الإعلامي هي الجهة الوحيدة التي تتعامل مع تصاريح الأفلام التي تصور في مصر؛ وسوف يكون العائد المادي والسياحي والثقافي لمصر ضخما وسبب كل هذا.. جنون اسمه الفراعنة.