مسلمو الهند.. مجتمع لا يعرف التطرف

TT

على الرغم من أن المسلمين يشكلون 14.4 في المائة فقط من إجمالي عدد سكان الهند، فإن الدولة لا تزال تضم «ثاني أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم (176 مليون مسلم تقريبا)»، وفقا لتقرير صدر في عام 2013 عن مركز بيو للأبحاث.

رغم ضخامة حجم المجتمع المسلم في الهند، فإنه لا يحظى بتغطية كبيرة في التقارير الإعلامية الغربية التي تتناول الإسلام في العصر الحديث. ربما يرجع ذلك إلى أنه في أعقاب أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وفي وسط الحرب الدائرة على الإرهاب كان الاهتمام الرئيسي الذي يبديه الغرب تجاه المجتمع المسلم حول العالم هو إمكانية رعايته للتطرف - في حين يظل المسلمون في الهند غير متطرفين بدرجة كبيرة.

ذكرت افتتاحية في مجلة «إيكونوميست» أن هذا الأمر «يوضح مجموعة من العوامل». ويرجع التداخل الديني إلى جذور عميقة في الهند؛ إذ «يوجد تاريخ طويل للإسلام في جنوب آسيا يمتد إلى أكثر من ألف عام، ولكن كان السائد فيه أصحاب المذهب الصوفي، الذين اندمجوا عن قرب مع الهندوس واشتركوا معهم في كثير من الممارسات الثقافية».

في عام 2009، نشر توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» تقريرا عن اتجاه متنام بين المسلمين الهنود يرفض فيه أفراد المجتمع دفن جثامين الانتحاريين، وقال: «لذلك السبب يقدم مسلمو الهند، خدمة جليلة للإسلام بنزع الشرعية عن الانتحاريين القتلة من خلال رفضهم لدفن جثامينهم». وأوضح فريدمان قائلا: «من المؤكد أن اتخاذ مسلمي الهند ذلك الموقف بتلك الطريقة يرجع إلى حد ما إلى حقيقة أنهم يعيشون في مجتمع ديمقراطي تعددي». وأضاف فريدمان: «إنهم لا يخشون من الزعماء الدينيين المتطرفين وليسوا خائفين من الهجوم علنا ضد ظهور التطرف الديني وسطهم».

في العام ذاته الذي نشرت فيه «تايمز» مقال فريدمان، أعد محررو قسم «مساحة للنقاش» تقريرا عن المظاهرات الواسعة التي خرجت ضد عرض فيلم «المليونير المتشرد» حائز جائزة أوسكار لعام 2008 في جميع أنحاء الهند. ووصف أمريش سينها، أستاذ دراسات السينما والإعلام في جامعة نيويورك وكلية الفنون البصرية في نيويورك، المظاهرات بأنها «قضية المتطرفين الهندوس».

وكتب: «أعتقد أن هذه المظاهرات إجراءات استباقية لصرف وتجنب محاولات استدعاء أحداث العنف المجتمعي، التي قتل فيها فاشيون هندوسيون مئات المسلمين في مومباي في عامي 1992 و1993».

يبدو أن أوضاع المسلمين في الهند ساءت منذ ذلك الحين. ووفقا لتقرير أعدته مجلة «إيكونوميست»: «لم تُبذل أي جهود رسمية جادة لتقييم أوضاع المسلمين في الهند منذ صدور دراسة في عام 2006 كشفت أن المسلمين عالقون في قاع كل مثلث اقتصادي أو اجتماعي. ورغم الحياة الحضرية، فإن المسلمين يحصلون على حصة ضئيلة للغاية من فرص العمل الحكومية (أو الرسمية)، وأماكن في المدارس والجامعات، ومقاعد في الحياة السياسية. كما أنهم يتلقون أجورا أقل من الطوائف الأخرى، ويتعرضون للاستبعاد في المصارف أو المؤسسات المالية الأخرى. ومن المؤسف أن قليلا منهم فقط يلتحقون بالجيش أو الشرطة».

وتسبب انتخاب رئيس الوزراء نارندرا مودي، القومي الهندوسي، في إثارة التوتر بين قطاع كبير من أفراد المجتمع المسلم في الهند، حيث توجد مخاوف من أن التزام مودي الشخصي بالهوية الهندوسية قد يقوض التزام نيودلهي بفكرة التعددية الوطنية. لكن، كما أوردت «إيكونوميست»: «يساعد وعد مودي بالتعامل مع المؤسسة العلمانية كما يتعامل مع (كتابه المقدس) في الحد من هذا القلق».

وفي حين تحظى أقلية عنيفة ذات نسبة ضئيلة بالقدر الأكبر من العناوين في التغطية الإعلامية الأميركية والأوروبية، إلا أن المجتمع المسلم المتنامي في الهند يجب أن يكون دليلا على وجود أغلبية معتدلة وغير متطرفة من المسلمين. وفي الوقت الذي يخضع فيه جميع سكان جنوب آسيا من أصحاب العقائد المختلفة إلى التفرقة الدينية، ويتعرضون للاضطهاد وحتى القتل بسبب تصرفات تلك القلة المتطرفة، يقدم مسلمو الهند البالغ عددهم 180 مليون نسمة ردا قويا.

*خدمة «نيويورك تايمز»