معاناة الاستيقاظ المبكر

TT

أتذكر جيدا حملة سعودية أشار إليها الزميل تركي الدخيل في مقاله اللطيف بعنوان «6:30 صباحا». وكان يقصد بها مجموعة شبابية عاهدت نفسها أن تجتمع في تمام الساعة 6:30 صباحا قبل أن تنطلق إلى دواماتها ثم تطور الأمر لاستضافة شخصيات معروفة للحديث عن قضايا عدة نافعة. وهي محاولة عملية من المجموعة لحل مشكلة يعاني منها بعض أعضائها وأفراد المجتمع، وهي معاناة التأخر في الاستيقاظ، فأصبحت دعوة مجتمعية ذكية لمعالجة مشكلة منتشرة.

وهذا ما ذكرني بدراسة لمعهد الإدارة العامة أعدها د. صلاح المعيوف ود. محمد المهنا، على العاملين بالقطاع العام، حيث أظهرت أنه كلما زاد المستوى التعليمي للموظف السعودي زادت فرصة تأخره عن الدوام في العمل الحكومي. إذ يتأخر شهريا حملة الشهادات الثانوية وما دونها بمعدل 45 دقيقة تقريبا، بينما يتأخر حاملو الشهادات الجامعية بمعدل 59 دقيقة، أما حملة شهادات الماجستير والدكتوراه فنافسوا الآخرين بتأخرهم لمدة ساعة ونصف الساعة! وهذا الأمر لا يقتصر على السعوديين، فالتأخر عن الدوام مشكلة عربية ملحوظة.

الاستيقاظ المبكر له فوائد عدة منها ما أظهرتها دراسة لجامعة تكساس في عام 2008 أشارت إلى أن «الطلبة الذين يستيقظون مبكرا يحصلون على معدل عام 3.5 مقابل 2.5 للأشخاص الذين ينامون في وقت متأخر. وفي نفس تلك السنة، توصل أستاذ في الجامعة الألمانية للتعليم في هايدلبرغ إلى أن الذين يستيقظون مبكرا بين الخامسة والسادسة صباحا، هم أكثر نشاطا وإنتاجية من زملائهم الذين يظلون مستيقظين حتى أوقات متأخرة من الليل، فهم أفضل في توقع المشكلات التي قد تحدث ويحصل أغلبهم على وظائف أفضل، وذلك بحسب تقرير لـ«بي بي سي».

من أسباب معاناتنا في الاستيقاظ «اللخبطة» التي نرتكبها بحق ساعاتنا البيولوجية حينما لا نثبت مواعيد النوم والاستيقاظ. لذا تنصح مديرة مركز اضطرابات النوم والاستيقاظ بمدينة تشيفي تشيس الأميركية د. هلين إيمسليم، كل من يريد ضبط ساعته البيولوجية بـ«تحديد موعد الاستيقاظ» بحيث «يلتزم به الشخص ولا يحيد عنه مطلقا»، حسبما ذكرت لخدمة «واشنطن بوست» الخاصة بـ«الشرق الأوسط». بل وتضيف: «يفضل أن تستيقظ من نومك في الوقت نفسه كل صباح، حتى في أيام العطلات»، ذلك أنك «إذا تأخرت عن ميعاد استيقاظك أكثر من 90 دقيقة في أيام العطلة، فإن هذا يجعلك معتادا على مواعيد استيقاظ متأخرة».

معاناة الاستيقاظ ليست مرتبطة بالساعة البيولوجية فحسب، بل يتحكم فيها الرغبة الجادة والانضباط الذي يفرضه المرء على نفسه أملا في اقتناص فرصة كل ساعة من يومه ليكون فردا منتجا وفعالا في مجتمعه.

[email protected]