الأخطاء الطبية ونوعية التواصل بين الأطباء

TT

تحسين كيفية تواصل communication الأطباء مع بعضهم البعض عند العناية بمرضاهم، يُقلل - بدرجة تفوق التوقع - من مخاطر حصول الأخطاء الطبية التي قد تُصيب المرضى بالأذى والضرر. وما يفوق التوقع هو أن احتمالات انخفاض حصول تلك الأحداث السلبية adverse events عند استخدام وسيلة جيدة للتواصل تصل إلى 30 في المائة. ليس هذا فحسب، بل وخفض معدل حصول الأخطاء الطبية medical errors بنسبة 25 في المائة.

وحقيقة، فإن الكل في أوساط المرضى وأوساط المستشفيات يبحث بلا شك عن وسائل لتقليل تلك الأحداث السلبية. وضمن عدد 6 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي لمجلة «نيو إنغلاند جورنال» أوف ميديسن» (New England Journal of Medicine) نشر الباحثون من كلية الطب بجامعة هارفارد نتائج دراستهم حول استخدام الأطباء وسيلة أفضل للتواصل المعلوماتي حول المرضى الذين يعتنون بهم حينما ينقلون مسؤولية العناية بهم إلى أطباء آخرين. وشملت الدراسة نحو 11 ألف مريض.

وعلقت الدكتورة إمي ستارمر، طبيبة الأطفال والباحثة الرئيسية في الدراسة، بالقول: «كلنا نحاول أن نُحسّن من طريقة نقل الأطباء للمعلومات حول مرضاهم». ولتحسين التواصل المعلوماتي بين الأطباء الذين يعتنون بالمرضى، وضع فريق الدكتورة ستارمير برنامج «عمليتي التحويل» (handoff) وتطبيقه في 9 مستشفيات. وقام الباحثون بقياس فعالية البرنامج وتبين لهم أنه نجح في خفض معدلات حصول الأحداث السلبية والأخطاء الطبية فيما بين المرضى، كما بحثوا في مدى احتمال تسبب تطبيق هذا البرنامج أي خلل أو اضطراب في مجريات سير عمل الأطباء في معالجة وخدمة مرضاهم.

وتفاصيل برنامج «عمليتي التحويل» تُساعد الأطباء على تذكر احتياجات معالجة المريض ووضوح كثير من الجوانب المهمة حول صحته وطريقة معالجته. وتحديدا، فقد طور الباحثون وسيلة تواصل للمعلومات سموها «حزمة آي - باس لعمليتي التحويل» (I-PASS Handoff Bundle).. وتطبيق هذه الوسيلة للتواصل المعلوماتي يتطلب من كل طبيب يتولى العناية بمريض أن يقوم بكتابة ونطق المعلومات المطلوبة لوصف شدة المرض وحالة المريض، وهو ما يُرمز له بحرف آي I بالإنجليزية، وحرف بي P يرمز إلى ملخص حالة المريض أي ما هو المرض الذي لديه وتاريخ تسلسل أحداث إصابته بالمرض وظهور أعراضه، وحرف إيه A يرمز للائحة العمل لما يجب أن يُعمل كخطة علاجية وما تم عمله من عناصر الخطة تلك، وحرف إس S يرمز إلى الوعي بحالة المريض وما يجدر فعله في حالة الطوارئ إن أصابته، وحرف إس S الآخر تجميع المتلقي لتك المعلومات التي أعطاها له الطبيب الأول وإظهار المتلقي ما يدل على فهمها ومعرفته بها. وملخص تجميع الأحرف الأولى تلك هو عبارة «أنا أُمرر» (I-PASS)، أي أقدم هذه المعلومات حول المريض للطبيب الذي سيتولى العناية به بعدي.

وإضافة إلى كل ما تقدم من فوائد لتحسين عملية تحويل مسؤولية الرعاية من طبيب إلى آخر، لاحظ الباحثون أن اتباع هذه الطريقة لا يضر على الإطلاق بانسيابية وسلاسة عمل الأطباء، وهو ما علقت الدكتورة ستارمير عليه بالقول: «نحن بالفعل متحمسون بفعل نتائج الدراسة، ذلك أننا لسنا نرى فقط خفضا دراماتيكيا في معدلات وقوع الأخطاء الطبية بل أيضا وجدنا أن هذه الطريقة قابلة للتطبيق من قبل متخصصين طبيين آخرين غير الأطباء، مثل الممرضين وغيرهم من العاملين الصحيين في المستشفيات».

ومعلوم أن وقت تحويل مسؤولية الرعاية الطبية من طبيب إلى آخر هو وقت حرج وعُرضة أن تحصل فيه أحداث قد تتسبب بالوقوع في الأخطاء الطبية والأحداث العكسية نتيجة عدم إطلاع الطبيب الثاني على تفاصيل حالة المريض وخطة معالجته وتفاعل المريض مع تلقيه المعالجة وغيرها من المعلومات المهمة التي تكونت لدى الطبيب الأول الذي كان يتولى مسؤولية معالجته. كما أن تحويل المسؤولية يتكرر حصوله عدة مرات خلال اليوم الواحد نظرا لحاجة المريض إلى استمرار عملية متابعته الطبية طوال الـ24 ساعة وفي 7 أيام من الأسبوع، ولذا علقت الدكتورة رينيو كوشال، رئيسة قسم الأبحاث والسياسات الطبية في كلية ويل كورنيل الطبية بمدينة نيويورك، بالقول: «إن وقت تحويل المسؤولية هو وقت حساس في رعاية المريض، والمستشفيات يتعين عليها أن تصمم وتطبق برامج تحسين عمليتي التحويل، مثل تلك التي تحدثت عنها الدراسة».

وفي تعقيب عملي وواقعي للدكتور جون بريكماير، كبير المسؤولين الأكاديميين في مؤسسة دارتماوث - هيتشكوك الصحية بهانوفر، قال ما مفاده إنه معجب بنتائج تطبيق البرنامج في خفضه بشكل كبير معدلات وقوع الأخطاء الطبية، ومع هذا لا يكفي وضع مثل هذا البرنامج لتغيير ثقافة العاملين بالمستشفى، وبالتالي فإن مجرد وضع البرنامج ليس مسلما أنه سيعطي نفس النتائج بالعموم وعلى الدوام. وحصول النتائج الإيجابية يعتمد على الحماس والدعم لتطبيقه بخلاف فرضه واضطرار العاملين بالمستشفيات لتنفيذه.

إن تحسين نوعية رعاية المرضى ورفع مستويات سلامتهم لا يتطلب غالبا مبالغ طائلة أو توفير تكنولوجيات معقدة أو زيادة عدد العاملين، بل يتطلب وضع برامج مدروسة بعناية من قبل العاملين الصحيين أنفسهم لتحسين طريقة رعايتهم لمرضاهم وحفظهم لسلامتهم، وحرصهم على تطبيقها ومراجعة نتائج تطبيقهم لها وتعديلها إذا دعت الضرورة بما يضمن نجاحهم، وهذا بالأصل ضمن مهام عملهم اليومي وسعيهم لإتقان تنفيذ تلك المهام في خدمة المريض ومعالجته.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]