تأثير الضربات على «الدواعش».. والمصالحة

TT

من الحق القول إن ضربات التحالف على «الدواعش» تركت أثرا إيجابيا في مسيرة الحرب على الإرهاب، غير أن المطلوب هو أهم من هذه الضربات بكثير، فمفهوم الحرب الطويلة الأمد يمكن تفهمه على أساس المعالجات الاستراتيجية الشاملة وليس التسليم باحتلالهم لمدن وقصبات عراقية لفترة طويلة، واستمرار معاناة النازحين، والتباطؤ في الرد على أشنع عمليات سبي خلال قرون.

كل من تحدثوا عن «غزوة نينوى» وقبلها «غزوة الفلوجة» قالوا إن قوة «الدواعش» المهاجمة تراوحت بين مئات إلى 3 آلاف شخص، وهي أرقام - بالنسبة إلى القدرات العراقية - لا يمكن أن تحقق لها ما حققته على الساحة العراقية. وأميل إلى ترجيح صحة الأرقام على أساس تصنيفهم من الأجانب، إلا أنهم لقوا تأييدا وتهليلا وتصفيقا من قبل بعض الجهلاء من السياسيين ومنتهزي الفرص، وكذلك بسبب المشاعر التي تركتها سنوات ما بعد سقوط النظام السابق وعمليات الشحن الطائفي والعنصري والسياسي. وكثير من سياسيي العرب شمال بغداد وغربها والكرد ظنوا أن «غزوة نينوى» ستسقط حكومة بغداد، وما عليهم إلا توزيع الخريطة الجديدة للعراق وسوريا أولا والمنطقة لاحقا. وجاءهم الرد من «الدواعش» حصرا، وليس من بغداد التي انهار معظم سياسييها، فقد استدارت قوة الضربة إلى كردستان محدثة «ذعرا» في أربيل بعد استيلائها على سهل نينوى. ورفعت قوة الضربة السيف في وجه رفاق الصدفة، وربما «رفاق اتفاق الأمس»، مطالبة إياهم بالمبايعة، فلاذوا بالصمت ومحاولة التنصل، لكن بعد أن أصبحوا شركاء بالفعل والترويج.

ومع أن نسبة الأجانب إلى العراقيين من «الدواعش» في العراق قليلة للغاية، فقد سلم عشرات الآلاف ممن التحقوا بهم من العراقيين مصيرهم تحت قيادة خوارج الخارج. باستثناء رأس التنظيم الذي كان إمام جامع غير بارز في سامراء قبل أن ينظم إلى «القاعدة»، وإذا كانت هذه هي وضعية رئيس التنظيم، فمن غير الحكمة توقع حدوث نتائج دراماتيكية بتصفية مفصل قيادي أو أكثر، فالتعويل يفترض أن يبنى على حزمة من الإجراءات الاستراتيجية، وحزمة قوية من الإجراءات والعمليات الميدانية، التي من دونها تبقى الخطوات الاستراتيجية بلا مؤديات حاسمة.

في ضوء ذلك، يفترض توجيه جهد التحالف الدولي لدعم عمليات القوات البرية العراقية، بتأمين الإسناد الجوي القريب، وإبقاء الهليكوبترات الهجومية وطائرات الهجوم الأرضي في حالة حوم مستمر خلال سير العمليات القتالية النشطة، ليس فقط لتأمين الإسناد المباشر القريب، بل لعزل منطقة العمليات ومنع وصول التعزيزات إلى «الدواعش»، ومنعهم من التراجع السلس والآمن من قاطع خطر إلى آخر لا يزال آمنا. وإلا فإن توجيه ضربات جوية محدودة يبقى تأثيره محدودا، والدليل على ذلك بقاء مستوى التقدم في عمليات التطهير دون المستوى المفترض، مع عدم إغفال التعقيدات الناتجة عن عمليات التفخيخ والعبوات الناسفة المنتشرة أمام الأهداف المهمة وحولها.

أخذ الوضع السوري قياسا لحساب الموقف على الساحة العراقية خطأ ما، فالوضعان مختلفان لجهة الموارد المالية، والعلاقات الدولية، ومستوى التمرد الداخلي، والتوليفة السياسية. وتعطي صورة الاختلافات معادلات لصالح المعالجات السريعة في الوضع العراقي، وعندما يقال إن «الدواعش» لا يزالون يحققون تقدما في شمال سوريا وشرقها لا يفترض القبول ببقائهم في العراق لأكثر من بضعة أشهر تحت أي ظرف، وكل التفسيرات الأخرى إما متخلفة أو تتعمد الاستسلام للوضع. والمهم قبل كل شيء أن يصر العراقيون على أنهم قادرون على حسم الموقف، ومنع القبول بأفكار التشرذم، التي يخضع لها بعض السياسيين الفاشلين من ذوي القلوب الضعيفة.

أما الخيارات، فلا خيار في التعامل مع «الدواعش» غير الميدان، وينطبق هذا على كل من حمل السلاح للقتال معهم وكل من روج لهم، لأنهم شاركوا في أخطر حرب. وهذا يعني حسم الموقف عسكريا، وإحالة من يقبض عليه منهم إلى القضاء ليكون عبرة للناس، وسيأتي يوم يبادر فيه البسطاء وغيرهم إلى الإخبار عنهم. أما أفراد الجماعات المسلحة خارج هذا المفهوم، فقد أصبحوا عمليا خارج معادلات الحرب والتأثير، ولم تعد لهم تنظيمات ولا فصائل مسلحة، ولا يجوز نفخ الحياة فيهم، بل تركهم يعيشون حياة عادية، إلا من تثار ضده دعاوى تتعلق بحقوق الناس. وأما السياسيون من أهل المناصب فتكفيهم الامتيازات، وما عليهم إلا أن يجنبوا الناس دوختهم وبلاءهم.