ويل للمغلوب

TT

احتفلت الدول الغربية هذا الأسبوع بيوم الذكرى، ذكرى من قتلوا في الحربين العالميتين. قادت الملكة إليزابيث مواكب الاحتفال بوضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري لمن جادوا لأوطانهم بأعز ما عندهم، حياتهم. وزمجرت المدافع ودوت أبواق التحية ونكست الأعلام في كل مقابر ومعسكرات الجيش البريطاني. وحمل معظم المواطنين على ياقاتهم زهور الخشخاش الحمراء وزينوا بها أسواقهم ودكاكينهم.

ماذا عن الألمان المغلوبين، ما الذي يحتفلون به في هذه المناسبة؟ تفتق ذهنهم عن المشاركة في هذه الاحتفالات ولكن بمناسبة سقوط جدار برلين قبل ربع قرن من الزمن. وفيما مدت الملكة إليزابيث يدها لتضع إكليل الخشخاش، سارت السيدة ميركل، المستشارة الألمانية فغرست زهرة في شق على ذلك الجدار. ومن حقها أن تحتفل بسقوطه لأنها كانت تعيش حبيسة وراءه في ألمانيا الشرقية (الشيوعية). يظهر أنها كانت تقول للإنجليز بهذا العمل الرمزي: إذا كنتم تعتزون بانتصاركم في الحرب فنحن نعتز بإسقاط جدار برلين.

جواب رمزي غير بليغ في رأيي. لو كنت في مكانها رئيسا على ألمانيا لحملت إكليل زهور ووضعته على آخر موديل يخرج من خط الإنتاج لسيارات «مرسيدس». وهو خير جواب على الإنجليز. أنتم ربحتم الحرب ونحن ربحنا السلم. فكل الدول الأوروبية الآن بما فيها بريطانيا تتلقف كل كلمة تصدر من السيدة ميركل. فاقتصاد ألمانيا هو الحاكم المطاع في الغرب الآن.

كنت قد زرت جبهة الفلاندرز التي شهدت أشرس المعارك في الحربين العالميتين. وزرت خلال ذلك مقبرة القتلى الإنجليز وبجوارها مقبرة القتلى الألمان. كانت المقبرة الإنجليزية منظرا بهيجا من العشب الموضب تحيط به الورود والتماثيل وأكاليل الزهور. ثم دخلت مقبرة الألمان فوجدتها في حالة مؤسفة. لا أكاليل ولا تماثيل. وبينما كان لكل قتيل إنجليزي قبره الخاص به يحمل اسمه ورتبته، دفن الألمان موتاهم، كل 4 منهم في قبر واحد. سألت الدليل الذي صاحبني، ألا يزور الألمان قبور قتلاهم؟ فقال: لا. المقبرة الألمانية دائما خالية من الزوار، على عكس المقبرة الإنجليزية. لا يريد الألمان أن يذكرهم أحد بقتلاهم. ولكنني شهدت إكليلا متواضعا على النصب التذكاري. سعيت إليه وقرأته، وإذا به يقول: «مع احترامات تلامذة مدرسة سسكس البريطانية». مثال رائع من روح الفروسية واحترام الخصم. وكان الإكليل الوحيد على قبور الألمان.

نظرت وقلت لنفسي، حتى في دنيا الأموات، ويل للمغلوب. ثم استرسلت في التأمل. تساءلت ماذا حل بشهدائنا المساكين؟ من قتل منهم في حروب الخليج وحروب كردستان وحروب فلسطين. نعم، ويل للمغلوب. فتذكرت كلمات ميخائيل نعيمة:

أخي إن عاد بعد الحرب جندي لأوطانه

وألقى جسمه المنهوك في أحضان خلانه

فلا تطلب إذا ما عدت للأوطان خلانا

(لأن الجهل لم يترك ولا الإرهاب إنسانا!)