عورات النفاق

TT

أعلنت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أنها تمكنت عبر مصادرها المطلعة من معرفة أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أرسل رسالة «سرية» إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي للتعاون سويا في محاربة الإرهاب وتسريع الاتفاق النووي، وبعدها بأيام قليلة اجتمع في العاصمة العمانية مسقط وزيرا الخارجية الأميركي والإيراني في لقاء اتسم بـ«الودية والإيجابية»، وعقب اللقاء عنونت صحيفة «التايمز» اللندنية في صفحتها الأولى، أن أميركا على استعداد لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

هذه التطورات تأتي مع حصول تغيرات لافتة على الساحتين العراقية والسورية، فهناك ضغوط متزايدة من قبل الأعضاء النافذين بالحزب الجمهوري الأميركي على الرئيس الأميركي، أحد هذه الضغوط اللافتة والانتقادات الحادة جاء على لسان عضو مجلس الشيوخ الأميركي النافذ والمخضرم السيناتور جون ماكين الذي قال إن أميركا لا تنتصر في مواجهتها ضد «داعش»، وإن ما يحدث هناك يذكره بمأساة حرب أميركا مع فيتنام في فترة الستينات الميلادية من القرن الماضي.

ومع الخسارة الكبيرة لأوباما وحزبه في الانتخابات الأخيرة زادت الضغوط عليه للحراك من حزبه لعمل «شيء» ما، وهذا الأمر أدى إلى أن يسارع بإرسال 15 ألف جندي بشكل فوري إلى العراق، وبحسب الإعلان الرسمي الصادر عن الإدارة الأميركية فإن الغرض من إرسال هذه الأعداد من الجنود هو تدريب الجيش العراقي ورفع درجات الجاهزية القتالية لديه بشكل مهني واحترافي حقيقي. ولكن الشكوك والتحليلات تؤكد أن هذه المجموعة لها مهام أخرى أهم وأدق «لحسم» الوضع المتدهور في العراق وسوريا وإنقاذ سمعته وسمعة حزبه قبل الانتخابات الرئاسية التي لم يبقَ عليها سوى عامين. وهو في الوقت نفسه نادى باجتماع عاجل وطارئ لمجلس الأمن القومي، وذلك لمراجعة سياسة بلاده في سوريا تحديدا. وأشارت التسريبات إلى أنه الآن يربط رحيل بشار الأسد كأحد أهم العوامل التي ستساعد في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، وهذا تغير مهم جدا في موقف باراك أوباما شخصيا، وبينما هذا يحصل كان الروس يجتمعون بشكل معمق وجدي مع بعض رموز المعارضة السورية ممثلة في معاذ الخطيب والمباحثات دخلت في تفاصيل دقيقة، بحسب ما صرح به لاحقا معاذ الخطيب، وأمور تتعلق في مرحلة ما بعد الأسد، حيث إن الطرح المقدم الآن يتعلق بتقديم حكومة مشتركة بين المعارضة والمؤيدين للأسد، ولكن من دون أي وجود لبشار الأسد والدائرة المحسوبة عليه والمتهمة بأنها وراء شلالات الدماء في سوريا.

يبدو أن هناك «صفقة» ما يجري التباحث عليها، فهناك مبادرة مصرية مع الروس في ملامحها الخروج التام لبشار الأسد، والبقاء على الدولة والجغرافيا السورية، وهي مبادئ لقيت قبولا لدى الطرف الروسي، بحسب بعض التسريبات الأولية. هناك قناعة متزايدة وحقيقية بأن بشار الأسد يجب ألا يكون بأي حال من الأحوال جزءا من مستقبل سوريا، وهو الذي تسبب في الكارثة التي وقعت فيها اليوم، والحراك الحاصل اليوم في أكثر من موقع، وخصوصا على الصعيد الإيراني - الأميركي هو مقدمة لإتمام الصفقة هذه، والمضحك المبكي هو الكيفية التي ستقدم عليها نفسها إيران وميليشيات تنظيم «حزب الله» الإرهابي التكفيري بعد كل هذه اللقاءات مع أميركا والمعروفة في أدبياتهم بـ«الشيطان الأكبر» وزعيمة «المخطط الصهيوني الإمبريالي» في التعامل مع «المقاومة»؟

سيكون من المضحك متابعة «الإخراج» الذي سيقدم عليه جهابذة أبواق الإعلام «المقاوم» في شرح ما حدث للمؤيدين لهم، وكيف أن ما حصل يصب في صميم مصلحة الممانعة والمقاومة. وتستمر سقوط أوراق التعري لفضح وكشف عورات النفاق.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى والأسد يستعد لقبول مبادرة وقف إطلاق النار في حلب يدرك أنه الآن ورقة انتهت صلاحيتها على طاولة الصفقات.