الإسلاموفوبيا.. والخوف من البرابرة

TT

في كتابه القيم «الخوف من البرابرة.. ما وراء صدام الحضارات»، يدافع الكاتب الفرنسي - البلغاري تزيفتان تودوروف عن فكرة التعايش الإنساني المشترك على وجه البسيطة، داعيا لبناء جسور الحوار بين الحضارات، ونسف أطروحة الصدام التي روّج لها صموئيل هنتنغتون بهدف إشعال فتيل الحرب بين الغرب والشرق.

ولعل أفضل صيحة أطلقها تودوروف في كتابه، كانت تلك التي حذر فيها الغرب من الغلو والتطرف تجاه الآخر، وفي الحال هنا هو الإسلام والمسلمون، بعد أن أقدمت حفنة من الأفراد لا تمثل الدين الحنيف بأي شكل أو موضوع، على ارتكاب عمل إرهابي، كما جرى في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وقد أجملها في العبارة التالية «الخوف من البرابرة يجعلنا مثل البرابرة». هل اليوم شبيه بالأمس؟

عدة أمثلة وقراءات تؤكد لنا خطورة المشهد الراهن، لا سيما أن بعضها يتأتى من دول أوروبية وريثة عصور التنوير والانفتاح على الآخر.

خذ إليك النمسا التي تستضيف على أراضيها «مركز» الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين الثقافات والأديان (KAICIID) والذي يعمل على «تمكين وتعزيز وتشجيع الحوار بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة حول العالم»، وكيف بات الخوف من ظاهرة التطرف، يؤثر على مقدرات وجوده، لا سيما في ظل تعالي أصوات اليمينيين هناك، الذين باتوا يتحدثون عن مراقبة أنشطة المركز للتأكد من أنه يحقق بالفعل أهدافه في تعميق التلاقح والتنافح، بين أتباع الأديان حول العالم.

إعلان الحكومة النمساوية في حد ذاته يحمل على كثير من القلق، ذلك أنه عوضا عن تشجيع المركز على القيام بدوره، في نشر روح الانثقاف Inculturation بين الأمم والشعوب، تبدأ هواجس الخوف من البرابرة الداعشيين تسيطر على تفكير التقدميين والتنويريين من الأوروبيين.

في أوائل شهر أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم صدرت عن مركز أبحاث حول الإسلام التابع لجامعة «لوقان» الكاثوليكية في بلجيكا، دراسة حول تحديات العيش المشترك بين المسلمين وغيرهم في البلاد.. كيف جاءت خلاصة الدراسة؟

باختصار غير مخل ترى أنه رغم وجود جوانب إيجابية، ورغبة حقيقية في التعايش مع الآخر لدى شريحة واسعة يمكن وصفها بالأغلبية الصامتة، إلا أن العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين قد تؤدي إلى مصادمات كلامية عنيفة أحيانا.

أما حال عبور الأطلسي فحدث ولا حرج عن آراء الأميركيين في المسلمين؛ فبحسب استطلاع أجراه «المعهد العربي الأميركي» في يوليو (تموز) المنصرم فإن 27 في المائة فقط من الأميركيين لديهم رأي إيجابي عن المسلمين مقابل 35 في المائة في استطلاع مماثل أجري في 2010، كما انخفضت نسبة التوجه الإيجابي نحو العرب الأميركيين من 43 في المائة قبل أربع سنوات، إلى 32 في المائة العام الحالي.

الخوف من البرابرة في أميركا، تمتد تبعاته إلى التشكيك العميق في ولاء المسلمين الأميركيين وانتمائهم للدولة التي يعيشون فيها، وهذا أمر له استحقاقات غالية التكلفة مستقبلا، لا سيما فيما يخص الجيل الثاني وربما الثالث من المهاجرين العرب والمسلمين. فقد أظهر الاستطلاع أن 42 في المائة من المستطلعة آراؤهم، يعتقدون أن قرارات أي مسلم أميركي ستتأثر بتوجهاته الدينية إن تولي منصبا سياسيا رفيعا، مما يعني بجلاء أن هؤلاء مؤهلون للعب دور فاعل في الحياة السياسية الأميركية مستقبلا.

ورغم أن الاستطلاع المشار إليه لم يوضح على أي أساس بنى الأميركيون رؤاهم وبنيت أفكارهم السلبية تجاه المسلمين عامة والعرب منهم خاصة، إلا أنه يسهل التخمين والتوقع بأن حروب الشرق الأوسط، وظهور الحركات الدينية المتطرفة كانت وراء ذلك.

هل يساعد الأميركيون والأوروبيون بمثل هذه التوجهات في انتشار سرطان الإرهاب، داعمين بذلك من غير قصد ربما الإرهابيين أنفسهم؟

المؤكد أنه في ظل أجواء الخوف والشك والكراهية التي تتصاعد في عدد واضح من العواصم الغربية، يقف المتطرفون متشوقين لالتقاط عملائهم الجدد، كما أن الخطاب الإعلامي الغربي المتطرف، والأفكار المسبقة تساهم في تعميق الفصل بين المسلمين وغيرهم في الغرب، وتقوي وتعمق من الشرخ مع المسلمين في الشرق.

ما الذي تتوقعه من أكثر من 90 في المائة من الأميركيين رقيقي الحال ثقافيا وفكريا ومعرفيا، عندما يستمعون إلى كاتب وعالم أعصاب مثل سام هاريس عندما يتحدث على الملأ، عبر شاشات التلفزة الأميركية عن أن الإسلام في الوقت الحالي الذي نمر فيه يعتبر أصل الأفكار السيئة والسلبية، لافتا إلى أن 20 في المائة من المسلمين «إما جهاديون أو متشددون»؟

القضية التي نحن بصددها أكبر وأخطر مما نظن؛ ذلك أن حروب الأفكار، لا تقل ضراوة عن حروب النار، والأمر الآخر الذي ننبه إليه هو أن هناك في الغرب، أوروبيا كان أو أميركيا، من سيتطوع لرسم صورتك - وغالبا المشوهة - إن لم تبادر بذاتك لتصحيح هذه الصورة.

نحن في حاجة إلى فريق من «القوات الخاصة الفكرية» في هذا الوقت تحديدا، لاقتحام عرين الغرب أدبيا وذهنيا للحديث عن الإسلام السمح، أي الذي يعامل الناس بالحسنى والكلمة السواء ويدعوهم للتسليم لله وطاعته بحرية.

بحاجة لإنزال بري وبحري وجوي على شواطئ الغرب لإظهار حقيقة الإسلام الذي يقبل الآخر، البعيد عن التطرف والعنف والصدام، والإقصاء.

أهل المشرق جميعا ومن كل الأديان، ليس من المسلمين فقط، مدعوون لإنقاذ العالم، والغرب في المقدمة، من وهدة الصدام الحضاري الآثم، ومن أفعال البرابرة، التي حتما ستقود العالم إلى مستنقع من الفوضى الفكرية والهباء العقلي.