رياح الكونغرس.. الجمهورية

TT

كان لافتا في انتخابات منتصف الولاية الأميركية، أن يلقي الجمهوريون اللوم في كل مشاكل العالم وأزماته على كتفي الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ليحققوا أفضل انتصاراتهم الانتخابية.. وأسهلها.

بمنظور الكثير من المحللين السياسيين، ساهم تيار «العداء» لأوباما في فوز الجمهوريين بأكثرية مقاعد الكونغرس، وبعد أن كانوا «سلطة» عرقلة لسياسات أوباما المالية والضرائبية والصحية، أصبحوا بعد الانتخابات، سلطة مبادرة سياسية ومالية، يقتصر سلاح الرئيس الأميركي في مواجهتها على الامتناع عن توقيع مشاريع لقوانينها.

في واشنطن، تبدلت الأحوال وانقلبت الأدوار...

أما الشرق الأوسط، الذي يعلق الآمال على المساهمة الأميركية في إعادة الاستقرار إلى أرجائه المضطربة، فقد كان غائبا عن اهتمامات الناخب الأميركي الذي يقترع عبر «جيبه» ودون التفات يذكر لسياسة بلاده الخارجية.

ولكن، بعد أن تحول الكونغرس، بمجلسيه، إلى معقل جمهوري لا بد من التساؤل: هل يواصل الحزب المسيطر عليه كليا، وصقوره بشكل خاص، القبول بدبلوماسية أوباما «المسالمة» في الخارج وتجاهل التآكل المتواصل لنفوذ دولتهم، واستطرادا مصالحها؟

على خلفية الخلاف الحزبي الجمهوري – الديمقراطي قد تشهد السنتان المتبقيتان من ولاية الرئيس أوباما عمليات «شد حبال» حيال المواقف من الكثير من القضايا، ومنها نزاعات الشرق الأوسط، في وقت تغوص فيه الولايات المتحدة، شيئا فشيئا، في «حرب عالمية» على عدو يتخذ من المنطقة مقرا وممرا له.

من المفترض التساؤل، في هذا السياق، عن مدى تطابق حسابات الأكثرية الجمهورية لاستراتيجية المواجهة مع الفصائل الإرهابية في سوريا والعراق مع حسابات الإدارة الديمقراطية، وتحديدا عما إذا كانت الأكثرية الجمهورية ستظل مكتفية باقتصار عملية التصدي للإرهاب على قصف جوي أميركي يترك الدول المعنية مباشرة بالتعامل معه على هامش هذه المواجهة؟

قبل سيطرتهم على الكونغرس صوت الجمهوريون، في سبتمبر (أيلول) الماضي، على مشروع قرار نافذ المفعول لغاية منتصف ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يؤمن للإدارة الديمقراطية مصادر تمويل طلعات القصف الجوي لقواعد «داعش»، إلا أن موافقة الجمهوريين على القرار لم تكن مطلقة؛ إذ حرصوا على ربطه ببند يخصص اعتمادات مالية لتغطية تكاليف تدريب، وتسليح، قوات المعارضة «المعتدلة» التي تحارب النظام السوري ومسلحي «داعش» في آن واحد؛ مما يعني أن مهلة انتهاء مفعول القرار في ديسمبر المقبل، ستكون المناسبة المتاحة للأكثرية الجمهورية لفرض شروط جديدة على تمديد العمل به.

وعليه، وبعد أن اعترف وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، أن نظام بشار الأسد «يستمد بعض المكاسب» من تركيز الولايات المتحدة على «داعش» - وهي مكاسب يحققها عمليا على حساب قوى المعارضة المعتدلة، وتصب، نهاية المطاف، في خانة إطالة أمد المواجهة الأميركية مع «داعش» - هل سيبقى الجمهوريون مكتفين بمقاربة أوباما للنزاع السوري؟

منذ أن تبدل جذريا موقف الرأي العام الأميركي من موضوع التدخل المباشر في سوريا في أعقاب عرض مسلحي «داعش»، العلني والمتلفز، لعمليات قطع رؤوس مواطنين غربيين، ومنذ أن جاء فوز الجمهوريين الانتخابي بمثابة تأكيد إضافي لهذا التبدل، لم يعد مستبعدا أن يطالب الكونغرس الجمهوري بإعادة النظر في المقاربة الأميركية للحرب على الإرهاب.

ولما كان الرئيس أوباما اشترط، في عرضه في العاشر من سبتمبر الماضي، لخطة تمويل الثوار السوريين «المعتدلين» والتصدي لـ«داعش»، موافقة الكونغرس على مشاركة القوات الأميركية المباشرة في نزاعات الشرق الأوسط، يجوز الاستنتاج بأن استراتيجية واشنطن حيال النزاع السوري ستكون، على مدى السنتين المقبلتين، رهينة رغبات الكونغرس من جهة، وقناعات أوباما من جهة ثانية.

إذا كان من المستبعد أن يوقع أوباما على قرار «يورط» القوات الأميركية في حرب برية في سوريا، قد تصبح التسوية المتوقعة بين الطرفين - في ظل التوازن القائم بين رغبات الكونغرس وصلاحيات الرئيس - المزيد من الدعم المالي والعسكري «للجيش السوري الحر»، والمزيد من الاعتماد على دول الشرق الأوسط في محاربة الإرهاب.