الثعلب والعنب

TT

بمحض الصدفة وقعت يدي على وثائق لها أهميتها القصوى، إذ هي تلقي المزيد من الأضواء على حكاية قديمة وهي الثعلب الذي فشل في القفز أعلى سور الحديقة المزروعة عنبا، ولكنه دارى فشله بالمقولة المعروفة عالميا وهي «إنه ليس عنبا.. هو حصرم». وصارت هذه المقولة عبر الزمن مثلا، يقوله الناس عندما يتهمون شخصا ما بالعجز عن بلوغ شيء جميل، فتكون النتيجة أن يتهمه بالقبح أو عدم النضج، بل يتجاوز ذلك بأن يهاجمه ويشتمه في كل مكان ومجلس. والوثائق التي عثرت عليها لا تنفي الواقعة، بل تؤكدها. وهي لمؤرخ مجهول قام بتسجيلها ثم وصف بدقة ما حدث بعد ذلك من انقلاب خطير في حياة الثعلب.

بعد أن فشل الثعلب في الوصول إلى العنب، ذهب إلى مقهى «الثعالب الصغيرة» وجلس في مكانه المعتاد وطلب «واحد شاي»، كما طلب من صاحب عربة فول ساندويتش فول وآخر طعمية. كان جائعا، وعندما جاء الساندويتشان أخذ يلتهمها بنهم. لاحظ أن بعض زبائن المقهى من القرود والغوريلات الصغيرة تختلس النظر إليه وتتحدث همسا في ما بينها، فصاح فيهم في وحشية: «نعم يا اخويا انت وهو؟.. فيه إيه؟.. بتبصوا لي ليه..؟ عاوزين حاجة؟».

فقال له قرد ظريف: «ما تآخذنيش يا معلم.. أصل شفتك لما ما عرفتش توصل للعنب.. ففكرت أنا وزمايلي ندّيك عنقود عنب كبير تحلّي بيه بعد الفول والطعمية».

فصاح فيه الثعلب غاضبا: «أنا ما عرفتش أوصل للعنب يا أبله..؟ أنا ما رضيتش آخد منه لما لقيته حصرم».

في اليوم التالي على المقهى قال الثعلب لزملائه الحيوانات: «ثعلب من زملائي يعمل رئيسا لمركز دراسات عنبية استراتيجية قال لي سرا خطيرا لم يعلنوه بعد، وهو أن العنب في هذه الحديقة بالتحديد ليس حصرما فقط، بل هو ملوث بفيروسات خطيرة للغاية. لو أكله الحيوان تصيبه بالغباء. أما إذا أكله الإنسان فهي تصيبه بخلل في عقله يصور له أن العالم كله، وخصوصا أميركا وإنجلترا وفرنسا، يتآمر عليه ويريد تقسيمه وتفتيته.. هل تعرفون الآن لماذا امتنعت عن أكل هذا الحصرم..؟ شيء ما أشبه بالحدس أو الإلهام هو الذي قال لي: ما تاكلش من العنب ده يا ابو التعالب».

قال ثعلب آخر من الواضح أنه صاحب تجارب كثيرة: «ليس العنب فقط يا صديقي.. كل الفواكه الجميلة تشكل خطرا علينا.. ونحمد الله على أنهم لم يستطيعوا الوصول حتى الآن إلى الفول والطعمية».

قال ثعلب آخر: «هذا ما تتصوره.. صديق لي خبير استراتيجي بالفول والطعمية وسلاطة الطحينة، قال لي إن المخابرات الأميركية والإنجليزية والإسرائيلية تعمل الآن على هذا الموضوع».

وهنا تدخل قرد عجوز في الحوار (قلبي يحدّثني أنه هو نفسه المؤرخ كاتب الحكاية) فقال: «أيها السادة.. أنتم تكرهون الغرب بدافع من العجز عن السير معه في طريق واحد.. وأيضا بدافع من الكسل العقلي.. وأيضا كرهتم السلام وانتابكم الرعب منه لأنكم عاجزون عن أن تكونوا جزءا من العالم المتقدم.. أنتم عاجزون عن الوثب العالي للحصول على العنب فقلتم في بجاحة إنه حصرم.. آي.. آي..».

انتهت الوثيقة عند هذا الحد. من الواضح أن عددا كبيرا من الثعالب الصغيرة انقضّوا عليه وأسكتوه.