فشل من الطرفين!

TT

حديث مكرر لا ينتهي مع تعاظم مشاهد العنف والدماء والدمار في العالم العربي، والحديث عن فداحة دور الإسلام السياسي في تكريس مشهد العنف الحاصل على ضفتي عوالمه، السني والشيعي. هناك قناعة متزايدة بأن العنف بات مرتبطا بالحراك السياسي المرتبط بالدين، فهناك بعض المجموعات في المذهب السني من ربط صلاح الدين بعودة الخلافة، بينما فندت الطروحات من قبل أن تلك مسألة لا أصل لها في الدين، ولعل أبرز من قام بعمل ذلك كان الشيخ الأزهري علي عبد الرزاق في كتابه المهم «الإسلام وأصول الحكم» الذي صدر عام 1925 والذي يقول فيه إن القداسة التي أضفيت على الخلافة في التاريخ والتراث الإسلاميين وإدراجها في أساسيات الإسلام والعقيدة ليس لها أي سند أو مرجع في الإسلام، وكل هذه القداسة والهالة الدينية العظيمة مردها إلى أحاديث وأخبار لا تصلح للاستدلال.

هذا الكتاب وضح أن الإسلام لم يقرر نظاما معينا محددا واضح الملامح لطريقة الحكم، ولم يفرض على المسلمين نظاما خاصا يجب أن يحكموا بناء عليه، بل كان مرنا في أنه لم يفرض على الناس أسلوبا بعينه وتُركت للظروف وإحكام العقل وتجارب الأمم ومقتضيات السياسة. ولم يكن علي عبد الرزاق هو الوحيد الذي طرح هذا الفكر ولكن سبقه العلامة الأندلسي والفقيه المعروف ابن رشد في كتابه المعروف الذي خطه في القرن الـ13 «فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من اتصال»، وكذلك كتب الكاساني قبله في القرن الـ12 كتابه المعروف «بدائع الصنائع»، ومع ذلك يبقى الواقع المؤلم حقيقة وهو أن الفقه السياسي لا يزال مادة غير مخدومة بالقدر الكافي وما تم الاجتهاد فيه يبدو ضئيلا جدا مقارنة بفقه الزكاة وفقه الطهارة على سبيل المثال لا الحصر.

أما على صعيد المذهب الشيعي فإيران منذ ثورتها الخمينية وهي تروج بقوة لمنظومة «الولي الفقيه» ومشروع تصدير الثورة، وسعت بقوة لعمل ذلك عبر تبني «نصرة المظلومين» و«دعم المقاومة» و«تحرير فلسطين» وشعارات براقة أخرى، ولكن شيئا ما لافتا في مراسم احتفالات عاشوراء هذه السنة في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن؛ كان هناك إصرار من إيران لا يمكن إنكاره ولا إغفاله أبدا يتضمن تحويل الشيعة الاثني عشرية إلى مذهب شمولي وبهذا يتم إغلاق الباب «بشكل عملي وحقيقي» على المظلومية التاريخية التي عرفت بها الشيعة ويكون بذلك تم ضم، بشكل قسري وجبري، الفرق الأصغر مثل الزيدية والعلوية وغيرهما ويعودون إلى الأصل الشيعي الأكبر الذي «انشقوا» جميعا عنه، وعاشوراء التي تعتبر في الضمير الشيعي هي الحادثة التي تشكل الوجدان الشيعي وتكون التأسيس للميثولوجيا الشيعي سنكتشف بشكل مفاجئ أننا أمام نهاية فكرة التشيع «المظلومي» فالأخير أصبح فعليا سلطة حاكمة ومسيطرة في إيران والعراق وسوريا ولبنان وفي طريقه كذلك في اليمن وينتهي الطرح الذي أوجد لنفسه أن يكون سبب الوجود وهو المظلومية الأبدية التي أوجدت التعاطف لاستمرار طرحه وانتهت بالتالي الظلامة ولم يعد من المقبول تكرار «كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء» في ظل وجود عدد متنام من الدول «الشيعية» مع ضرورة التذكير أنه في الأدبيات الدينية الشيعية لا ينتهي الظلم والظلامة إلا بظهور المهدي (إمام الزمان)، وبوصول الشيعية السياسية إلى الحكم في أكثر من دولة يقلب المنطق التاريخي التي بنيت عليه الظلامة التاريخية الشيعية وهو دور بالمناسبة أصبح يأخذه أهل السنة في تلك الدول بشكل تراجيدي.

الإسلام السياسي لا يملك حلا يطرح المواطنة الشاملة التي تحتضن الطوائف والمذاهب والأديان الأخرى في طرحي الخلافة ولا الإمامة المقدمين من السنة والشيعة وبالتالي باءتا بالفشل الذريع. المشاهد الحالية لتطاحن الإسلام السياسي المدجج بالسلاح من عناصر الشيعة والسنة هو فشل تام يستدعي حلولا مدنية فيها روح الدين بدلا من ادعاء ينشدون الحكم به فقط.