سلامات الجواهري

TT

مما يلفت النظر قي شعر محمد مهدي الجواهري كثرة تردد السلام والتحيات في أشعاره. في قصيدته الخالدة «يا دجلة الخير»، يستهل الكلام بتبادل التحيات مع هذا النهر الخالد:

حييت سفحك من بعد فحييني

يا دجلة الخير يا أم البساتين

حييت سفحك ظمآنا ألوذ به

لوذ الحمائم بين الماء والطين

يغص ديوانه «بريد الغربة» بالتحايا والسلامات. هذا شيء مفهوم لرجل أحب بلده وشعبه ويجد نفسه مشردا بعيدا عنه. فيحن لكل شيء فيه ويبعث له بسلامه من بعيد:

سلام على هضبات العراق

وشطيه والجرف والمنحنى

ويحن لأصحابه ومجالسه في مقاهي الكرخ وشارع أبي نوآس فيسلم عليهم:

سلاما أيها الثاوون إني مزمع عجل

سلاما أيها الخالون إن هواكم شغل

سلاما أيها الندمان إني شارب ثمل

سلاما أيها الأحباب إن محبة أمل

سلاما كله قبل كأن صميمها شعل

نعم هذا ما نبعث به جميعا من ديارنا في الغربة لمن تركناهم وراءنا. بيد أن أبا فرات يقحم سلامه حتى في أحرج المواقف السياسية فيحيي موتاها:

يوم الشهيد تحية وسلام

بك والنضال تؤرخ الأعوام

يسمع بأن رفيقه الشاعر محمد صالح بحر العلوم قد طرحوه في السجن، فيخاطبه:

يا أبا ناظم سلاما على البعد

وصرف الخطوب يقصي ويدني

وسلاما على رفاقك في الشوط

المجلّى من كل ند وقرن

سلام على سواستبول في صمودها ضد النازيين - وعلى ستالينغراد، وعلى براغ، وعلى كردستان الثائرة:

سلم على الجبل الأشم وأهله

ولأنت تعرف عن بنيه من هم

لفت نظري أحد الزملاء لظاهرة السلام عند الجواهري، فقال تذكر أنه قال كل ذلك في أيام حركة أنصار السلام. قلت لا. أنا أراها عربية لا فرنجية، استمرارا لتربيته ودراسته في النجف. فهناك يطوفون بالزوار ويخاطبون الأئمة: سلام يا أمير المؤمنين، سلام يا أبا الحسنين، سلام يا ابن عم رسول الله...الخ. من هذه الخلفية انطلق أبو فرات: سلام أيها الخاوون، سلام أيها الخالون، سلام أيها الأحباب، وسلام في عيدهن، من بيضهن وسودهن، يقولها في عيد المرأة العالمي.

فسلام عليك يا أبا فرات في مثواك وفي قيامك.