لا محيص من السلم الاجتماعي

TT

بعد حادثة الهجوم على حسينية الأحساء، تبيّن بما لا يدع مجالا للشك، أن في السنة والشيعة أو قل بعضهم من لا يريد العيش بوئام وسلام ويسعى إلى إفساد السلم الاجتماعي، فهم لا يدركون أن إبقاء الخلاف الطائفي قد يسبب مضاعفات أكبر، وأن عدم التعامل الصادق مع روافد الطائفية سيجعلها تنتشر كما ونوعا، وستقود إلى حوادث خطيرة ومآلات مؤلمة.

أكبر الإشكالات في التماس الشيعي السني الحساسية المفرطة لإيجاد حلول لفك الاحتقانات الطائفية، فتتهم هذه المحاولات بالطائفية، كما حدث لكاتب هذه السطور، حين قال في مقاله السابق، إن وجود كم كبير من الانتقاص لرموز أهل السنة في الأدبيات الشيعية والإساءة إليهم سيظل رافدا خطيرا للطائفية، فكتب لي بعض مثقفي الشيعة ممن أحترم قلمهم وعقلهم يلومونني بأنني أثير هذه المواضيع، ولحسن الحظ أن شخصية من الوزن الثقيل في العالم الشيعي مثل السيد هاشمي رفسنجاني هو الذي أطلق هذه الأيام تصريحا شجاعا لافتا حين قال، إن إساءة بعض الشيعة للصحابة والاحتفال باغتيال عمر بن الخطاب هو الذي مهد لنشأة «داعش» و«القاعدة» وقال: إن «القرآن الكريم يؤكد ألا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم إلا أننا تجاهلنا هذه الآية، وقمنا بإثارة الخلافات بين المسلمين الشيعة والسنة». هذا التنبيه العاقل ليس جديدا في عالم المراجع الشيعية، لكنه جديد جدا في عالم رموز الثورة الإيرانية وحكومتها التي تسيطر عليها حكومة آيديولوجية قوية.

يجب أن يدرك الجميع أن أتباع أي عقيدة ومذهب في الدنيا لا يهمهم كثيرا تفاصيل عقائد الآخرين، لا يهم السنة أن يكون أئمة الشيعة اثني عشر أو ستين إماما، ولا يهمهم أن يحكموا بعصمتهم أو ببشريتهم، وما إلى ذلك، فالسنة مثلا وإن كانوا يختلفون مع هذا، لا يصيبهم من هذه التفاصيل العقدية أذى ولا عنت، لكن حين يتعلق الأمر بالتعرض للرموز بالإساءة فإن للسنة كما لغيرهم الحق في الاعتراض والغضب مبرر، هذا التنظير مؤصل في القرآن «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم».

ولهذا رأينا بعض المتشددين في الجانب السني، كإجراء ثأري، من يسخر من علماء الشيعة ومشايخهم، ويتفنن في حبك اللقطات الساخرة والمقالب المضحكة، مما جعل الأجواء ملوثة بطائفية بغيضة في مناطق من بلاد المسلمين، وحين يتلوث الجو يتهيأ لأحداث طائفية خطيرة.

وفي المقابل، فإن سب رموز الشيعة والسخرية بهم ووصمهم والتحريض عليهم والتأييد المبطن لأذيتهم والتضييق عليهم وحرمانهم من حقوقهم، كلها روافد تصب في نهر الكراهية وإثارة الفتن وإشعال الحرائق. ولقد قلت في أكثر من مناسبة إن الملل والنحل تضاريس عقدية لا مفر من التعايش معها، تماما مثل التضاريس الجغرافية، وكما يعيش الناس مع جبال بيئتهم وأنهارها ووعرها وسهلها، فكذلك مع العقائد والمذاهب.

إن المسلمين الذين حكموا الهند فتعايشوا مع مللها ونحلها التي تحمل كشكولا كبيرا من الآلهة المتعددة التي تبدأ بالبقر والحجر، وتنتهي بالفأر، أولى بهم أن يتعايشوا ويقبلوا بمن هو على دينهم ويصلي إلى قبلتهم. يجب توظيف حادثة الأحساء وكل الحوادث من هذه الشاكلة في المنطقة، لتعزيز السلم الاجتماعي وفك الاختناقات المذهبية ونبذ المنابزة بالألقاب الطائفية، وأن يعمد كل العقلاء الحكماء لتهدئة المفرطين في الحماسة في فريقه، فإن الفتنة الطائفية يملك أي متهور أن يشعلها.