طوبى لـ«الثني» والذين معه!

TT

الحوار المنشور على صفحات هذه الجريدة، يوم 10 نوفمبر (تشرين الثاني)، مع عبد الله الثني، رئيس وزراء ليبيا، لا أعتبره حوارا صحافيا بالمعنى المفهوم للحوارات الصحافية، بقدر ما أعتبره بلاغا من أكبر مسؤول ليبي، ليس إلى أي مسؤول آخر بعينه في العالم، وإنما إلى كل صاحب ضمير حر في عالمنا هذا.

ليس بلاغا إلى مسؤول بعينه في العالم، لأن المسؤولين الكبار في العالم، الذين كانت ليبيا تراهن عليهم في محنتها، قد تخلوا عنها، ولا يزالون بكل أسف، إلى الحد الذي أطلق الرجل في حواره، نداء يقول فيه ما معناه، إنه إذا كانت هناك أطراف إقليمية لا تستطيع، أو بمعنى أدق لا ترغب في مساعدة المجتمع الليبي في مواجهة الإرهاب، فليس أقل من أن تمتنع هذه الأطراف نفسها، عن دعم الإرهابيين هناك!

من جانبي، أعترف، بأن هذه من المرات النادرة التي أُشفق فيها على مسؤول وهو يتكلم، ولماذا لا، ورئيس الوزراء الليبي يبدو في كل كلمة من حواره، وهو يئن تحت وطأة إحساسه بتجاهل المجتمع الدولي لبلده، وامتناعه عن مد يد العون إليه، عن قصد، وعن عمد!

إن لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن في الأمم المتحدة، تتباطأ جدا في إقرار طلبات السلاح التي تقدمت بها حكومة الثني، لدعم الجيش، وتتعامل اللجنة، مع الموضوع ببيروقراطية وروتينية شديدتين، وكأن اللجنة، ومن ورائها مجتمع دولي بكامله، لا يريان الإرهاب وهو يمرح في أنحاء الدولة الليبية، ويقتل أبرياء في كل يوم!

وإذا كان الإشفاق هو الشعور المباشر، الذي تسرب لي، منذ الوهلة الأولى، وأنا أطالع كلام الثني، فإن هناك شعورا آخر، كان يتوازى معه، وهو شعور بالإعجاب بما أعلنه، عندما راح يؤكد في كلامه، على أن ليبيا عازمة، بجهد أبنائها وحدهم، على وأد الإرهاب فوق أرضها، وأن كل ما تريده أن يسعفها المجتمع الدولي، في حربها، لأنها تؤدي مهمة نبيلة وتقاتل معركة شريفة، تستحق المساندة من جانب مجتمع دولي تقع عليه مسؤولية حتما فيما يواجهه الإخوة الليبيون، لا لشيء، إلا لأن هذا المجتمع نفسه، كان واحدا من الأسباب الرئيسية، التي أنتجت الواقع الحالي على الأراضي الليبية، عندما تعجلت عواصم كبيرة، في هذا المجتمع، إسقاط نظام العقيد، دون أن يكون هناك بديل جاهز يحفظ كيان الدولة!

تشعر إزاء الثني، بالإشفاق والإعجاب معا، ثم لا تملك إلا أن تدعو الله مخلصا، أن يعين الليبيين في مهمتهم، ما داموا قد أخلصوا العزم هكذا، كما يتضح من كلام رئيس وزرائهم، على حسم هذه المواجهة مع الذين يرفعون رايات الدين الإسلامي السمح، وهم أبعد خلق الله عنه، وعن مقاصده العليا!

تشعر بالإشفاق والإعجاب معا، إزاء الثني، وهو يخاطب الذين يقفون ضد حق بلده في الحياة، ولسان حاله يقول لهم: إذا لم تكونوا معنا، فلا تكونوا من فضلكم علينا!

تشعر بالإشفاق والإعجاب معا، إزاءه، وأنت ترقب العين الحولاء التي تتطلع بها الولايات المتحدة الأميركية، إلى الإرهاب في المنطقة، فلا ترى إلا إرهاب «داعش»، وحده، ثم لا ترى العين نفسها إرهاب ميليشيات ليبيا، رغم أنها على مرمى حجر، من الإرهاب الأول، ورغم أن هذه الميليشيات قد حاصرت المحكمة الدستورية العليا، إلى أن أرغمتها على إصدار قرار بحل برلمان البلاد المنتخب!

تشعر بالإشفاق والإعجاب معا، إزاءه، وأنت ترى بعينيك، أن واشنطن تتعامى عن إرهاب الحوثيين في اليمن، وعن عنف جمعية «الوفاق» في البحرين، وعن إرهاب الإخوان المستتر في الكويت، وعن إرهاب الإخوان المعلن في القاهرة، ثم لا ترى إدارة أوباما، غير «داعش»، و«داعش» وحدها!.. وكأن كل القصد من ضرباتها ضده، كتنظيم يعتنق الإرهاب ويمارسه، إنما هو تقويته، وتسمينه، ودعمه، لا مطاردته ولا القضاء عليه!

تشعر بالإشفاق والإعجاب معا، إزاء الثني، وأنت تراه يكاد يردد دعاء النبي عليه الصلاة والسلام، على أطراف الطائف، حين راح يرفع كفيه، ويقول: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس.. إن لم يكن بك غضب عليّ، فلا أبالي.

هذا الشعور الممزوج، مرجعه إلى أن هذا المجتمع الدولي المنافق، والدول الداعمة للإرهاب في ليبيا، وهي دول معروفة بالرسم والاسم.. كلهم.. كلهم.. يعرفون أن طرابلس الغرب في حاجة إلى يد صادقة، وأمينة، تمتد إليها، وإلى أهلها، ولكنهم.. كلهم.. يمدون إليها يد التجاهل، والتباطؤ، والإهمال، مرة، ثم يد الدعم للإرهاب ذاته، مرات!

الشعور الممزوج مرجعه، إلى أن الثني، وهو يواجه الإرهاب باسم الدين، في بلده، بذراعه، وبصدره المفتوح، لم ييأس، ولم يستشعر الوهن، ولم يتسرب إليه شك، ولو للحظة، في أنه منتصر في النهاية، ومعه كل ليبي يقاتل إلى جواره، وفي ظهره فجميعهم على يقين بأن الله معهم في معركتهم، لأن الله تعالى لا يمكن أن يخذل قوما يقاتلون الشر، ويلاحقون الإثم، ويطاردون الذين يريدون أن يختطفوا الدين لحسابهم، ثم لا يختطفونه وفقط، وإنما يُظهرونه بما لم يكن يوما فيه، ولا في مبادئه الرفيعة، ولا في تعاليمه السامية!

طوبى للثني والذين معه!