جرائم ضد توت!

TT

منذ الكشف عن مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون على يد المكتشف الإنجليزي هيوارد كارتر، في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1922، والفرعون يتعرض لمحاولات تشويه متعمدة. ودائما ما تأتي هذه الجرائم ممن يحاولون الشهرة على حساب ليس فقط توت عنخ آمون، ولكن أيضا على حساب التاريخ المصري القديم.

كان الحادث الأول في عام 1968 عندما صرحت مصلحة الآثار المصرية للإنجليزي هاريسون من جامعة ليفربول؛ وهو من المتخصصين في مجال الأشعة، بفحص مومياء توت عنخ آمون - وذلك للمرة الأولى - وكان معه فريق متخصص من الإنجليز ليس من بينهم عالم مصريات سواء كان أجنبيا أو مصريا، ولكن كان هناك بعض المرافقين المصريين من موظفي المصلحة طبقا لقواعد العمل. وللأسف الشديد قام أحد أعضاء فريق هاريسون بسرقة أجزاء من مومياء توت؛ وأخذها معه خفية من دون أي موافقات أو تصريح. وظلت حادثة السرقة طي الكتمان إلى أن فضح أمرها العام الماضي؛ عندما أعلن في لندن أن فريقا إنجليزيا فحص العينات المسروقة واكتشف أن توت مات محروقا! بالطبع كان هؤلاء يسعون وراء الشهرة فقط. وقد غفلوا عن حقيقة أن كارتر استخدم السكاكين الملتهبة لكي يفصل المومياء عن صندوق التابوت الذهبي، وكذلك فصل الرأس والصدر عن القناع الذهبي الذي يزن 11 كيلوغراما من الذهب. ولم يكن حادث سرقة قطع من المومياء هو الجريمة الوحيدة المرتكبة ضد الفرعون! فهناك لغز محير يحتاج إلى بحث وتدقيق وتحقيق؛ وهو أين اختفت القلنسوة التي كانت على رأس مومياء توت؟ فهذه القلنسوة نراها في صور أرشيف كارتر ولا نراها في صور بعثة هاريسون! فكيف وأين اختفت قلنسوة الفرعون الذهبي؟

أما عن جريمة التشويه الثانية؛ فقد قامت بها شبكة تلفزيون إنجليزية قامت بإنتاج فيلم وثائقي عن حياة وممات توت عنخ آمون، وقامت بالاستعانة ببعض خبراء برامج الكومبيوتر من فرنسا لإعادة تكوين جسم ووجه توت عنخ آمون ببرنامج ثلاثي الأبعاد. وأخرجوا لنا مسخا لا يحمل الملامح المصرية، بل شيئا لا يمكن حتى تخيل وجوده؛ يرتدي أثمالا ويستند إلى فرع شجرة. فهل يمكن تصور أن هذا المسخ هو توت عنخ آمون - فرعون مصر وصاحب الكنز الذي قيل عنه إنه الأغلى والأثمن في العالم؟ بالطبع الغرض هو أن يشتهر الفيلم ويشتهر صانعو الفيلم، وليشوه التاريخ المصري القديم!! لم يكتف صانعو الفيلم المشوه لتوت عنخ أمون بما فعلوه، بل قاموا بعرض الكثير من صور الأشعة المقطعية، وهي جزء من نتائج المشروع المصري لدراسة المومياوات الملكية برئاستي؛ وذلك دون إذن أو حتى تصريح، بل إننا لا نعرف كيف حصلوا على هذه الصور، وبأي حق سمحوا لأنفسهم بعرضها وتفسيرها على أهوائهم!! أسئلة لا تزال تبحث عن إجابة.

أعتقد أن كتابة المقالات والكتب للدفاع عن توت عنخ آمون لا تكفي، وأصبحنا نحتاج إلى عمل فيلم وثائقي متكامل يبحث أولا في لغز هل سرق هيوارد كارتر ولورد كارنانفون جزءا من كنز توت أم لا؟ ثم يكون البحث وجمع كل الوثائق المثيرة حول لغز اختفاء قلنسوة الرأس وسرقة أجزاء من المومياء. هذا العمل يحتاج إلى كثير من الجهد والبحث، لكنه الطريقة الوحيدة لترك عمل علمي وثائقي يحل لغز توت عنخ آمون.

تبقى حقيقة واحدة وهي أن ذهب توت سيظل يشع ويبهر الناس في كل مكان بالعالم، وسيظل توت عنخ آمون هو الفرعون الذهبي الذي حفر له مكان لا ينافسه فيه أحد في التاريخ الإنساني.