عقم قيادي في إسرائيل

TT

أغرب الظواهر القيادية في هذا الزمن تجدها في إسرائيل، ولو أجرينا استطلاعا للرأي على مستوى العالم كله لوجدنا أن نتيجة الصفر يحصل عليها بامتياز الثلاثي الأساسي في إسرائيل، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان ووزير الدفاع بوغي يعالون. وحتى لو خضع الثلاثة إلى استطلاع موضوعي نزيه حول جدارتهم بالموقع داخل إسرائيل ذاتها، فإن النتيجة ذاتها ستكون وربما أسوأ. والغريب في الأمر أنه لو جرت انتخابات اليوم فإن الثلاثة سوف يفوزون، ولنأخذ نتنياهو مثلا، فالرجل الذي يزداد معارضوه يوما بعد يوم تتكرس فرصه في رئاسة الوزراء يوما بعد يوم كذلك، وهذه المفارقة التي تبدو منطقيا مثيرة للتساؤل لها سبب موضوعي مقنع يتحدث عنه بصراحة جميع المثقفين في إسرائيل، وجميع المهتمين بنظامها السياسي وقياداتها الحزبية والحكومية.

السبب المقنع لذلك هو دخول إسرائيل إلى حالة من العقم القيادي، وهذه الحالة جعلت من الفاشل نتنياهو فرس رهان للرأي العام الإسرائيلي، إذ لا بديل عنه لا في الليكود ولا في الأحزاب الأخرى، ولقد أدرك نتنياهو أن حكاية اللابديل هذه هي المؤهل الأكثر ثباتا لبقائه على رأس الحكومة، فإلى جانب سعيه الدائم لتحطيم أي مشروع قيادي في إسرائيل فهو بارع إلى حد التفرد في استغلال كل النكبات والكوارث كي يظل الأكثر تأهيلا للبقاء على رأس السلطة دون أن يقدم حلا منطقيا معقولا لأي مأزق تتردى إليه إسرائيل ويحمل أخطارا جدية على واقعها ومستقبلها.

وحين وقعت الواقعة في القدس وقتل أربعة حاخامات وشرطي بالبلطات والسكاكين، لم يرَ نتنياهو في الأمر إلا فرصة لتعزيز موقعه والطلب من باقي مكونات الحياة السياسية في إسرائيل للانضمام إلى ائتلافه في مواجهة خطر البلطة الفلسطينية التي سوقها للرأي العام الإسرائيلي على أنها الخطر المحدق بوجود إسرائيل من أساسه. وانسجاما مع هذا المنطق فقد وعد نتنياهو الجمهور الخائف في إسرائيل بأنه سوف يتخذ إجراءات حاسمة لإنقاذ الشعب والدولة من الخطر الفلسطيني، ولكي يحفظ خط الرجعة فقد أعطى لنفسه مساحة زمنية واسعة حين قال إن الحرب ضد الإرهاب الفلسطيني ستأخذ وقتا طويلا كي تظهر نتائجها. والمشكلة أن نتنياهو المولع باستطلاعات الرأي والتي هي المؤثر الأول والأخير في قراراته ومنطلقات سياساته، وجد ضالته في قوى اليمين متنامية الحجم والنفوذ في إسرائيل، ومحصلة ذلك في الواقع العملي إدخال المنطقة من نفق إلى نفق أكثر إظلاما، فالقدس التي يعد نتنياهو بإعادة الهدوء إليها ألبسها رئيس الوزراء المتشبث رداءً عسكريا من خلال الآلاف المؤلفة من الجنود الذين انتشروا في أحيائها وأزقتها، والقدس كذلك امتلأت بالمكعبات الإسمنتية والحواجز بمختلف الأنواع كي يُضمن الهدوء فيها. والقدس التي توهم نتنياهو أن تكون المكان الأكثر هدوءا في إسرائيل ينسف فيها كل يوم منزل، ويعتقل فيها كل يوم عشرات الشبان، وتصادر من أراضيها عشرات الدونمات، وتسحب منها كل يوم عشرات الهويات، مما يصورها حقيقة أمام العالم على أنها ساحة معركة وليست عاصمة هادئة أبدية لدولة إسرائيل.

نعود إلى ما بدأنا به وهو ظاهرة العقم القيادي في إسرائيل وعقدة اللابديل التي أضحت المؤهل الوحيد لنتنياهو، إن هذه الظاهرة لن تفرز أكثر من اضطراب مزمن في المدينة المقدسة، إضافة إلى أنها لن تنام وادعة تحت عشرات الألوف من الجند والجدران ومكعبات الإسمنت، وحين يكون هنالك عقم قيادي فهنالك بداهة عقم في الحلول.