الأمم المتحدة بحاجة لخطة أقوى لإنقاذ البشرية

TT

ما الذي ينبغي أن يركز عليه العالم خلال الأعوام الـ15 القادمة؟

في عالم تميل وسائل الإعلام فيه للتركيز على الأزمات قصيرة الأمد، غالبا ما نتجاهل القضايا طويلة الأمد المرتبطة بالبشرية. إلا أن الفترة الراهنة تشهد تحرك حكومات العالم الـ193 نحو تحديد أولويات العقد ونصف العقد المقبلين خلال الاجتماع السنوي للأمم المتحدة المقرر انعقاده في سبتمبر (أيلول) 2015. بالتأكيد هذا الأمر جدير بإثارة الجدال حوله، ومع ذلك سمع القليلون بالكاد عنه.

يذكر أنه عام 2000، حددت الأمم المتحدة أهدافا يتعين على العالم تحقيقها بحلول عام 2015. وحملت الأهداف التي عرفت باسم «أهداف الألفية التنموية» وعودا بتقليص أعداد من يعيشون في فقر مدقع وجوع ومن دون مياه نظيفة وصرف صحي إلى النصف، وفي الوقت نفسه إتاحة فرصة التعليم لجميع الأطفال وخفض معدلات الوفيات بين الأطفال بمقدار الثلثين. وتميزت هذه الأهداف بقدرة بالغة على التأثير، حيث حددت وجهات إنفاق مئات المليارات من الدولارات في صورة مساعدات تنموية. وبالفعل، تركت هذه الأهداف تأثيرا ملموسا على أرض الواقع. مثلا، تكشف الإحصاءات أنه عام 1990 توفي أكثر من 12 مليون طفل قبل بلوغ الخامسة من العمر، بينما تراجع الرقم عام 2013 إلى أقل من 7 ملايين طفل.

ورغم أننا لم نتمكن بعد من تقليص وفيات الأطفال بنسبة الثلثين تحديدا، تبقى الحقيقة أن ملايين الأطفال يبقون على قيد الحياة سنويا في الوقت الراهن لأن العالم قرر الاهتمام بقضية وفيات الأطفال وتوفير الموارد اللازمة للحد منها.

وقد نبع نجاح هذه الأهداف من كونها قليلة وحادة - حيث صيغت في 374 كلمة فقط بدلت وجه العالم. هذه المرة، سعت الأمم المتحدة لإضفاء مزيد من الشمولية على العملية عبر استطلاع آراء أطراف معنية أكثر من مختلف أرجاء العالم.

ونظرا لأن هذه الأهداف ستحدد كيفية إنفاق تريليونات الدولارات في صورة مساعدات تنموية، علاوة على تريليونات أخرى من الموازنات الوطنية، فإن كل مجموعة معنية تأمل في دمج أهدافها في الوثيقة النهائية. وعليه، اضطرت الأمم المتحدة لاقتراح 169 هدفا، صيغت في 4369 كلمة.

بيد أن تقديم وعود بتحقيق كل شيء لكل شخص لن يحقق شيئا. ومن المقرر أن يعلن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، رده على الأهداف الجديدة هذا الأسبوع. والآن، حان الوقت المناسب كي يتخلى عن تحفظه المعتاد، فمع اقتراب نهاية فترة توليه منصبه في أواخر 2016، قد يتحول نجاحه في إقرار أهداف قليلة وفاعلة للفترة المقبلة لأهم إنجازاته على الإطلاق.

وسعيا لتحديد أهم الأهداف، طرحت المنظمة الفكرية التي أعمل بها، «كوبنهاغن كونسنسس سنتر» (مركز كوبنهاغن للإجماع)، أسئلة على 62 فريقا من كبار الخبراء الاقتصاديين، بينهم كثير من الحاصلين على جائزة نوبل، لتحديد الأهداف التي من شأنها تحقيق أكبر قدر من النفع مقابل كل دولار يتم إنفاقه. وكشفت أبحاثنا الأهداف التي ينبغي الإبقاء عليها والأخرى التي يتعين نبذها.

من بين الأهداف الجديرة بالإبقاء عليها إتاحة الفرصة للجميع للحصول على وسائل منع الحمل. تبلغ تكلفة تحقيق هذا الهدف 3.6 مليار سنويا فقط، لكنه سيحول دون وصول قرابة 640 ألف مولود جديد للعالم، وحدوث 150 ألف حالة وفاة بين الأمهات سنويا، وسيؤدي إلى تقليص أعداد الأطفال المضطرين للترعرع من دون أمهاتهم بمقدار 600 ألف مع وجود أسر أقل عددا، بمقدور الآباء والأمهات توفير تعليم أفضل لأطفالهم، بينما سيتحمل المجتمع تكاليف أقل فيما يخص الشباب، وسيحقق نموا اقتصاديا أفضل نظرا لانتماء شريحة أكبر من السكان لسن العمل والإنتاج. بصورة عامة، سيحقق كل دولار سينفق في هذا الاتجاه نفعا اجتماعيا يقدر بنحو 120 دولارا.

كما ينبغي علينا كذلك السعي وراء خفض معدلات سوء التغذية للنصف مجددا، خصوصا في ظل توافر دلائل على أن التغذية السليمة للأطفال تثمر حياة أكثر إنتاجا، مثل تمكين المخ من العمل بصورة أفضل وتحسين مستوى الأداء الأكاديمي، ورفع مستوى الإنتاجية لدى البالغين. ومقابل كل دولار ينفق الآن في هذا الاتجاه، ستجني الأجيال القادمة نفعا يقدر بنحو 60 دولارا.

من بين الأهداف العظيمة الأخرى إلغاء الدعم المرتبط بالوقود الحفري، حيث تشير الأرقام إلى أن العالم ينفق 548 مليار دولار على هذا الدعم، تنحصر جميعها تقريبا داخل الدول النامية. ويستنزف ذلك الموارد التي يمكن استغلالها في توفير خدمات صحية وتعليمية أفضل، بجانب تشجيع هذا الدعم على مزيد من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.

علاوة على ذلك، فإن غالبية صور الدعم المخصصة للغازولين تتجه للأثرياء، لأنهم هم القادرون على شراء سيارات. ويقدر خبراؤنا الاقتصاديون أن كل دولار يتم توفيره من دعم الوقود الحفري يمكن أن يحقق نفعا بقيمة تتجاوز 15 دولارا، من خلال إتاحة موارد الموازنات الوطنية لخدمة قطاعات أخرى.

إذن ما الذي ينبغي على بان كي مون التخلي عنه؟ يوحي التحليل الذي أجريناه بأن بإمكانه إعادة النظر أو التخلي عن 145 من مجمل الـ169 هدفا المقترحة. وفيما يلي بعض المقترحات في هذا الشأن: من المحتمل أن يشكل هدف «تعزيز السياحة المستدامة» سبيلا غير فاعل لاستغلال الموارد. كما أن الوعد «بتوفير توظيف كامل ومنتج وعمل لائق لجميع النساء والرجال، بما في ذلك الشباب وذوي الاحتياجات الخاصة» يبدو لطيفا لكنه فارغ من أي مضمون حقيقي. في الواقع، إن وجود مستوى معين من البطالة ضروري لخلق أسواق عمل فاعلة، وليس هناك من سياسة مؤكدة بمقدورها توفير توظيف كامل، علاوة على أن مبدأ «العمل اللائق» غالبا ما يؤدي لإقرار قواعد لحماية الوظيفة تخدم أصحاب الوظائف أكثر مما تخدم الساعين للعمل، مما يسهم في تزايد معدلات البطالة.

في كل الأحوال، يجب أن يبدأ الآن الحوار حول الأولويات العالمية. بيد أنه علينا إقناع بان كي مون وسفرائنا لدى الأمم المتحدة بأنه باستطاعتهم الشعور بالفخر حيال الأهداف القليلة بقدر ما يمكنهم الفخر، بإقرار أهداف كثيرة تتجاوز المائة. في الواقع، إن التركيز على الأهداف الأكثر نفعا بدلا من الأهداف الأكثر إبهارا قد يكون أفضل ما يمكننا إنجازه خلال الأعوام الـ15 القادمة.

* خدمة «واشنطن بوست».