عبد الرحمن الراشد: شكرا جزيلا!

TT

أعلن عبد الرحمن الراشد استقالته من إدارة محطة «العربية» الفضائية الإخبارية بعد مشوار مهم وطويل تجاوز السنوات العشر، تمكن فيها أن يترك بصمة تاريخية وناجحة في الإعلام الفضائي الإخباري. في زخم ضوضاء الفضائيات تمكن عبد الرحمن الراشد أن يفرض اختيار «العربية» للمشاهد العربي في ظل منافسة «مهنية» مع كبرى المحطات العالمية التي لجأ البعض منها للعمل الاحترافي والبعض الآخر إلى الفهلوة والاستخفاف بالمتلقي.

«العربية» كانت انعكاسا لعبد الرحمن الراشد نفسه من الناحية المهنية ومن الناحية الشخصية أيضا، فهو ومنذ انطلاقته الصحافية في محطاته المختلفة كان صحافيا دقيقا يبحث عن الخبر بشكل مميز وانعكس ذلك على مسيرته ومحطاته المختلفة، ولكن الشيء الذي سيحسب لعبد الرحمن الراشد «إعلاميا» هو إبرازه للشأن السعودي بشكل مهني ومحترف ومحترم، سواء أكان ذلك الأمر في الشأن السياسي المعقد أم الاقتصادي المثير أم الرياضي الجاذب أم الثقافي المهم، بل إن الاهتمام وصل إلى حالة الطقس السعودية، التي أصبح هناك من يتابعها وينتظر أخبارها، وهي التي كان الكثيرون يعتقدون بأنه لا توجد أخبار للطقس في السعودية.

وأفرز هذا الاهتمام بالشأن السعودي عن ظهور أعداد لافتة من الإعلاميين السعوديين أمام وخلف الكاميرا، وكان السر في كل ذلك هو «الثقة» التي يمنحها الراشد لمن يعمل معه، فهو يعطيه الدعم والإحساس بالحماية والأمان، والأهم هو الإحساس بالمسؤولية عن العمل فكانت النجاحات.

هو رجل بسيط واثق من نفسه جدا، يدرك تماما أنه يعيش في عالم رحب فسيح للغاية، لا تربطه ولا تقيِّده نظرات طائفية ولا دينية ولا عنصرية فتخلص من كل ذلك تماما، وكان يتعامل مع غيره على الأساس الأهم وهو الكفاءة المهنية.

كان يحب أن «يفاجئ» الزملاء والموظفين في «العربية» بذهابه إلى كافتيريا المحطة، ليتناول الغداء مع شخصية بسيطة من العاملين في المحطة، معد ومساعد مخرج، ويتناول معه حديثا خاصا ليرسل بذلك رسالة عفوية وبسيطة أن الكل مهم والكل عنصر منتج وفعال في الفريق الكبير.

لم ينزلق عبد الرحمن الراشد في سراديب المنافسة ليقدم «نسخة» من منافسه الرئيسي، أصر على أن يقدم نسخة مختلفة تماما فيها مدرسة مهنية مغايرة، ولقد أثبتت الأيام أنه تمكن من إنجاح هذه الفكرة مع التأكيد على أن النجاح كان أيضا تجاريا، فتمكن من إحضار مجموعة مهمة جدا من المعلنين والرعاة التجاريين ليسوا محسوبين على دولة واحدة مثل منافسه الرئيسي.

للرجل أن يفتخر بما حقق من إنجازات، فهو ترأس تحرير إحدى أهم الصحف العربية، ويكتب فيها حتى اليوم عمودا منتظما يكاد يكون أحد أهم ما يمكن أن يسمى القراءة المفروضة، من كل من يتابع الشأن السياسي العربي Required reading، وترأس إحدى أهم القنوات الإخبارية في العالم، وحقق في كل محطة كمًّا مهولا من الإنجازات والانفرادات والنجاحات، هو قارئ نهم وله الكثير من «العلاقات المهمة جدا» مما جعله في المجال الإعلامي الحذر رجل المعلومة الخاصة، ولكنه مع الوقت ولد لدى قارئه ومتابع عمله الثقة المطلوبة لذلك الأمر. عملت معه مطولا وعرفته عن كثب، وأحترم فيه مهنيته واحترامه لذاته ورسمه للحدود في كل شيء وعدم خلطه بين الجوانب الشخصية والمهنية، وسعة صدره وتحمله وصبره في مجال عمل لا يرحم أبدا، وهو مجال عمل أشبه بحقول ألغام، والسير الخاطئ عليها عواقبه كارثية وخطيرة، وليس لديه أي ذرة غيرة من نجاحات الآخرين من العاملين معه، فثقته بنفسه وحالة السلام المهني التي يعيشها جعلته يمنح الفرص للآخرين دون خشية من المنافسة، وكذلك تمتع بصفة مهمة ونادرة وهي الوفاء وعدم النكران لكل من رافقوه في مختلف محطات مشواره.

الإعلام العربي الفضائي الإخباري سيفتقد غياب الراشد عنه بشكل تنفيذي، ولكنه حتما لن ينسى ما قدمه وأنجزه وهو يترجل اليوم بعد مسيرة حافلة ومميزة يستحق عليها الشكر والتهنئة والثناء وأطيب الأماني على استراحة مستحقة.