الأسواق بين الأكاذيب والحقائق

TT

تنحدر نوعية الخطاب لدينا. ولقد كانت تلك فيما قبل من الشكاوى المعيارية حول لهجة النقاش السياسي الوطني. والآن، امتدت إلى داخل العالم المالي.

أنلقي باللوم على «تويتر»، أم المتصيدين، أم المدونين؟ لست متأكدا من السبب الحقيقي. ولكن كما شاهدنا مرارا، فإن المناقشات المالية تبدو أنها تدعو الناس إلى التعارض لقاء أغراض متباينة. في السابق، كانت لدينا منافسة حقيقية بين الأفكار في السوق، أما الآن فلدينا نقاشات تتراوح بين المخادعة وانعدام الفائدة. ويعتمد اكتشاف الأسعار، مثل أي شيء آخر في مجتمعنا، على النقاش المفتوح والقوي. يمكن للحجج الفكرية أن تهز من ثقة المستثمرين حيال المواقف والوضعيات الاستثمارية. وتتلمس الأسواق الفعالة سبيلها نحو التسعير السليم، غير أن ذلك قد يستهلك المزيد من الوقت. في إحدى المناقشات حول الذهب، لاحظ مدير الأموال، بين كارلسون، ما يلي:

هبط الذهب بمقدار 40 في المائة منذ ارتفاعه الأخير في عام 2011. ولكنه حافظ على صعوده بما يقرب من 350 في المائة منذ عام 2000. على الرغم أنه منذ 1980، وعلى أساس من التضخم المعدل، ظل الذهب منخفضا بالأساس. ومع ذلك، ومنذ أوائل فترة السبعينات، ارتفع بنسبة 7 في المائة في العام (أو نحو 3.4 في المائة عقب التضخم).

فإذا كنت تريد الحصول على حجة فكرية غير أمينة عن الذهب، يمكنك بسهولة انتقاء الجدول الزمني الذي يؤيد حجتك. ويقع ذلك النوع من النقاشات في ساحة الانحياز الأكيد إلى أناس آخرين. فمقولة «أجل، ولكن» النموذجية تستخدم مجموعة من البيانات الصغيرة والانتقائية لتعزيز المناقشة، في حين تتجاهل الصورة الأكبر ومجموعات البيانات الأضخم. وذلك الأسلوب المخادع يعتبر فعالا بالنسبة إلى مستثمري التجزئة، الذين ليسوا على دراية بالتدفقات الإحصائية لمجموعة العينات المنحازة والاختبارات المجهزة جيدة الاتساق.

لا تساعد مثل تلك النقاشات على اكتشاف الأسعار، ولا تساعد كذلك وبكل تأكيد في إدراك أحدنا أسعار المعادن الثمينة. ولكن، يمكن اختيار بعض متابعي التغريدات على طول الطريق. فإذا ما خسروا الأموال خلال العملية، فالأداء السابق لن يكون دليلا على الهراء.

يتمتع الذهب بسمعة سيئة نظرا إلى طائفة المتابعين من المهووسين به وأتباع التضخم المفرط. ولكنني سأبدو مقصرا إذا ما تجاهلت مشجعي الأسهم. فيمكن لفرسان الأسهم أن يتمتعوا بحالة عدم الأمانة الفكرية نفسها مثل مشجعي الذهب.

يمكنك بسهولة اختيار الجدول الزمني الذي يدعم موقفك الاستثماري.

ينتشر هذا النوع من المناقشات غير الأمينة في كل مكان. وقد سهلت الإنترنت من وجوده بشكل رهيب، حيث يستخدم الحاسوب في نشر أي سخافة يختارونها. والاقتباس المثالي لمثل تلك المناقشات هي موعظة بنيامين فرانكلين: «تلف الكذبة حول منتصف العالم قبل أن تشرع الحقيقة في ارتداء سروالها». ولكن، هناك ذلك الشيء: في نهاية الأمر، حتى أكثر الحجج خداعا تنهار.

تصل الأسواق إلى التسعير المناسب، على الرغم من صعوبة التوقع أو سرعته على نحو ما زعمه أنصار فرضية الأسواق الفعالة. لطالما اعتقدت أن حرف «الفاء» في «فرضية الأسواق الفعالة» يشير حقا إلى كلمة «فعالة». وما حصلنا عليه في نهاية المطاف هو نوع من الأسواق الفعالة فعلا.

في نهاية المطاف، تُعزل الحجج المضللة والمنافقة عن سياق الأحداث. وفي بعض الأحيان، يعاني المدافعون عنها تشويه سمعتهم، غير أنهم لا ينالهم ذلك في كثير من الأحيان.

لا، لم يكن لدينا عجز بقيمة 100 مليار دولار في سندات البلدية، كما توقع أحد حكماء السوق. ولم يبلغ سعر أوقية الذهب 5 آلاف دولار، ولم يصل مؤشر «داو» إلى 36.000 نقطة، ولم نصل إلى مرحلة التضخم المفرط أو انهيار الدولار. ومن الجدير بالذكر أن معظم الحجج السيئة بها مكون من مكونات الخوف الملازم لها.. الخوف من الانهيار الاجتماعي، أو الخوف من افتقاد الزخم، أو الخوف من المجهول، وكل ذلك هو نتيجة للانحياز السلبي الواضح الذي يسيطر على العقل البشري. إنه ذلك الميل المزعج الذي يركز على الجانب السلبي المحتمل الذي يؤسس للنفور من المخاطر، وهي نوعية توجد لدى الكائنات عبر آلاف السنين لتأكيد نجاة أسلافنا. فكل شيء يخضع للمفاضلة. والنتيجة النهائية، ولإعادة صياغة كلمات مؤلف روايات الخيال العملي تيودور ستورجيون، أن 90 في المائة من كل شيء عبارة عن قمامة. كان سيحتل مكانة أفضل مراقب للمشهد المالي لو ظل حيا بيننا.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»